ارتحلْنا مرةً أخرى، فلما اقتربنا من الرياضِ أبتْ العجلاتُ أنْ تنزل، فأخذ يدورُ بنا على سماء الرياضِ ساعةً كاملةً، ويحاولُ أكثر منْ عشْرِ محاولاتٍ يأتي المطار ويحاولُ الهبوط فلا يستطيعُ، فيرتحلُ مرةً أخرى، وأصابنا الهلعُ، وأصاب الكثير الانهيارُ، وكثرُ بكاءُ النساءِ، ورأيتُ الدموع تسيلُ على الخدودِ، وأصبحْنا بين السماءِ والأرضِ ننتظرُ الموت أقرب منْ لمحِ البَصَرِ، وتذكرتُ كلَّ شيءٍ فما وجدتُ كالعملِ الصالحِ، وارتحل القلبُ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ وإلى الآخرةِ، فإذا تفاهَةُ الدنيا، ورخصُ الدنيا، وزهادةُ الدنيا، وأخذْنا نكرِّر: ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملكُ وله الحمدُ وهو كلِّ شيءٍ قديرٌ)) ، في هتافٍ صادقٍ، وقام شيخٌ كبيرٌ مسنٌّ يهتفُ بالناسِ أن يلجؤُوا إلى اللهِ وأنْ يدعوهُ، وأنْ يستغفروهُ وأنْ ينيبُوا له.
وقد ذكر اللُهِ عن الناسِ أنهم: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} .
ودعوْنا الذي يجيبُ المضطر إذا دعاه، وألححْنا في الدعاءِ، وما هو إلا وقتٌ، ونعودُ للمرةِ الحادية عشرة والثانية عشرة، فنهبطُ بسلام، فلما نزلْنا كأنا خرجْنا من القبورِ، وعادتِ النفوسُ إلى ما كانتْ، وجفتِ الدموعُ، وظهرتِ البَسَماتُ، فما أعظم لطف اللهِ سبحانه وتعالى.
كمْ نطلبُ الله في ضُرِّ يحِلُّ بِنا ... فإنْ تولَّتْ بلايانا نَسِيَناهُ
ندعوه في البحرِ أنْ يُنْجي سفينتَنا ... فإنْ رجعنا إلى الشاطي عصيناهُ
ونركبُ الجوَّ في أمنٍ وفي دَعَةٍ ... وما سقطْنا لأنَّ الحافظ اللهُ
إنهُ لطفُ الباري سبحانه وتعالى، وعنايتُه، ليس إلا.