{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} .
السعادة في الوَسَطِ، فلا غُلُوَّ ولا جَفَاءَ، ولا إفراط ولا تفريط، وإن الوسطيَّة مِنْهجٌ ربَّانيٌّ حميدٌ يمنعُ العبد من الحَيْفِ إلى أحدِ الطرفيْن. إن من خصائصِ الإسلامِ أنه دينُ وسطٍ، فهو وسطٌ بين اليهوديةِ والنصرانيةِ: اليهوديةِ التي حملتِ العِلمِ وألغتِ العَمَلِ، والنصرانيةِ التي غالتْ في العبادةِ واطَّرحتِ الدليل، فجاء الإسلامُ بالعِلْمِ والعَمَلِ، والروحِ والجَسَدِ، والعقلِ والنقلِ.
وإن ممَّا يسعدُك في حياتِك الوسطية، الوسطيةُ في عبادتِك: فلا تغْلُ فتنهك جسمك وتقضي على نشاطك ومداومتِك، ولا تجف فتطرح النوافل وتخدش الفرائض وتركن إلى التسويقِ. وفي إنفاقكِ: فلا تتلفْ أموالك وتهلكْ دخلك فتبقى حسيراً مُمْلِقاً، ولا تمسكْ عطاءك وتبخلْ بنوالك، فتبقى ملوماً محروماً. ووسطٌ في خلقِك: بين الجدّ المفرطِ واللِّينِ المتداعي، بين العبوسِ الكالحِ والضحكِ المتهافتِ، بين العزلةِ الموحشةِ والخلطةِ الزائدةِ على الحدِّ.
إنّه مِنهجُ الاعتدالِ في أخذِ الأمورِ، والحكمِ على الأشياءِ، ومعاملةِ الآخرين، فلا زيادة يطفو بها كيْلُ القِيمِ، ولا نقْص يضمحلُّ به أصلُ الخيْر، لأن الزيادة ترفٌ وسَرفٌ، والنقص جفاءٌ و'حفاءٌ: {فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} .