عن أبي سعيد الخُدْريّ قال: جاء أعرابيٌّ إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول اللهِ، أيُّ الناس خيْرٌ؟ قال: ((مؤمِنٌ مجاهِدٌ بنفسِه ومالِه في سبيلِ اللهِ، ثم رجُلٌ معتزلٌ في شِعْبٍ من الشِّعابِ يعبُد ربَّه)) . وفي روايةٍ: ((يتَّقي الله ويدع الناس من شرِّه)) ، وعنْ أبي سعيدٍ قال: سمعتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: ((يُوشكُ أنْ يكون خير مالِ المسلم غنمٌ يتبعُ بها شعْفَ الجبالِ ومواقع القطْرِ، يفرُّ بدينِه من الفِتنِ)) . رواه البخاريُّ.
قال عمرُ: «خُذُوا حظَّكم من العُزلةِ» . وما أحْسنَ قول الجنيدِ: «مُكابدَةُ العزلةِ أيسرُ مْن مداراةِ الخلطةِ» . وقال الخطَّابيُّ: لو لم يكُنْ في العزلةِ إلا السلامةُ من الغيبةِ، ومنْ رؤيةِ المنكرِ الذي لا يقدرُ على إزالتهِ، لكان ذلك خيراً كثيراً.
وفي هذا معنى ما أخرجهُ الحاكمُ، منْ حديث أبي ذرٍّ مرفوعاً، بلفظ: ((الوحدُة خيرٌ من جلِيسِ السُّوء)) . وسنده حَسَنٌ.
وذَكَر الخطَّابيُّ في «كتاب العزلة» أنَّ العزلة والاختلاط يختلفُ باختلافِ متعلقاتهما، فتُحمل الأدلَّةُ الوارِدةُ في الحضِّ على الاجتماعِ، على ما يتعلَّقُ بطاعةِ الأئمةِ وأمورِ الدينِ، وعكسُها في عكسِهِ، وأما الاجتماعُ والافتراقُ بالأبدانِ، فمنْ عَرَفَ الاكتفاء بنفسِه في حقِّ معاشِهِ ومحافظةِ دينهِ، فالأوْلى لهُ الانكفافُ منْ مخالطةِ الناسِ، بشرْطِ أنْ يُحافظَ على الجماعِة، والسَّلامِ والرَّدِّ، وحقوقِ المسلمين من العيادةِ وشهودِ الجنازةِ، ونحْوِ ذلك. والمطلوبُ إنما هو ترْكُ فضولِ الصُّحبةِ، لما في ذلك منْ شغِلِ البالِ