وتوارى إبراهيمُ النَّخعِيُّ من الحجَّاج، فجاءه الخبرُ بموتِهِ، فبكى إبراهيمُ فرحاً.
طفح السرورُ عليَّ حتى إنني ... منْ عظمِ ما قد سرَّني أبكاني
إنَّ هناك ملاذاتٍ آمنة للخائفين في كَنَف أرحمِ الراحمين، فهو يرى ويسمعُ ويُبصرُ الظالمين والمظلومين، والغالبين والمغلوبين {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً} .
ذكرتُ بهذا طائراً يسمَّى الحُمَّرة، جاءت تُرفرفُ على رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو جالسٌ مع أصحابِه تحت شجرةٍ، كأنها بلسانِ الحالِ تشكو رجلاًَ أخذ أفراخها منْ عشِّها، فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((منْ فجع هذه بأفراخِها؟ رُدُّوا عليها أفراخها)) .
وفي مثل هذا يقولُ أحدُهم:
جاءتْ إليك حمامةٌ مُشتاقةٌ ... تشكو إليك بقلبِ صبِّ واجفِ
منْ أخبر الورْقاء أنَّ مكانكم ... حَرَمٌ وأنَّك ملجأٌ للخائِفِ
وقال سعيدُ بنُ جبيرٍ: واللهِ لقد فررتُ من الحجَّاج، حتى استحييتُ من اللهِ عزَّ وجلَّ. ثم جيءَ به إلى الحجّاج، فلمَّا سُلَّ السيفُ على رأسِه، تبسَّم. قال الحجاجُ: لِم تبتسمُ؟ قال: أعجبُ منْ جُرأتك على اللهِ، ومن حِلْمِ الله عليك. يا لها من نفْسٍ كبيرةٍ، ومن ثقةٍ في وعدِ اللهِ، وسكونٍ إلى حُسْنِ المصيرِ، وطِيبِ المُنقلَب. وهكذا فليكُنِ الإيمانُ.