أراد اللهُ لهذه الدنيا أن تكون جامعةً للضدينِ، والنوعين، والفريقين، والرأيين خيْرٍ وشرٍ، صلاحٍ وفسادٍ، سرورٍ وحُزْنٍ، ثم يصفو الخَيْرُ كلُّهُ، والصلاحُ والسرورُ في الجنةِ، ويُجْمَعُ الشرُّ كله والفسادُ والحزنُ في النارِ. في الحديث: ((الدنيا ملعونةٌ ملعونٌ ما فيها إلا ذكرُ اللهِ وما والاهُ وعالمٌ ومتعلمٌ)) فعشْ واقعكَ ولا تسرحْ من الخيالِ، وحلّقْ في عالمِ المثالياتِ، اقبلْ دنياكَ كما هي، وطوِّع نفسك لمعايشتها ومواطنتِها، فسوف لا يصفو لك فيها صاحبٌ، ولا يكملُ لك فيها أمرٌ، لأنَّ الصَّفْوَ والكمال والتمام ليس من شأنها ولا منْ صفاتِها.
لن تكمل لك زوجةٌ، وفي الحديث: ((لا يفركُ مؤمنٌ مؤمنةً إن كره منها خلقاً رضي منها آخر)) .
فينبغي أنْ نسدد ونقارب، ونعْفُوَ ونصْفحَ، ونأخُذ ما تيسَّرَ، ونذر ما تعسَّر ونغضَّ الطَّرْف أحياناً، ونسددُ الخطى، ونتغافلُ عن أمورٍ.
تَلَفَّتْ يَمْنَةً ويَسْرَةً، فهل ترى إلاَّ مُبتلى؟ وهل تشاهدُ إلاَّ منكوباً في كل دارٍ نائحةٌ، وعلى كل خدٍّ دمْعٌ، وفي كل وادٍ بنو سعد.
كمْ منَ المصائبِ، وكمْ من الصابرين، فلست أنت وحدك المصاب، بل مصابُكَ أنت بالنسبةِ لغيرِك قليلٌ، كمْ من مريضٍ على سريره من أعوامٍ، يتقلبُ ذات اليمينِ وذات الشِّمالِ، يَئِنُّ من الألمِ، ويصيحُ من السَّقم.