المتالِفِ. وهو كلَّما زِيد في عمرِه، زيد في حِرصِهِ، فهو جمُوعٌ منُوعٌ، لا تُحرِّكهُ الحوادِثُ، ولا تُزعزعُه المصائبُ، ولا تُوقِظهُ القوارِعُ. وهو كلَّما زِيد في مالِه، زيد في بُخلِه وإمساكِه، فقلْبُه مقفرٌ من القِيم، وكفُّه شحيحةٌ بالبذْلِ، ووجهُه صفيقٌ عريَّ من المكارمِ. وهو كلَّما زيد في قدْرِه وجاهِه، زيِد في كِبرِه وتيْهِه، فهو مغرورٌ مدحورٌ، طائشُ الإرادةِ منتفخُ الرِّئةِ، مريشُ الجناحِ، لكنَّه في النهايةِ لا شيء: ((يُحشر المتكبَّرون يوم القيامةِ في صورةِ الذَّرِّ، يطؤهُمْ الناسُ بأقدامِهمْ)) . وهذهِ الأموُر ابتلاءٌ من اللهِ وامتحانٌ، يَبْتَلي بها عباده فيسْعدُ بها أقوامٌ، ويشقى بها آخرون.
وكذلك الكراماتُ امتحانٌ وابتلاءٌ، كالمُلْكِ والسُّلطانِ والمالِ، قال تعالى عنْ نبيِّه سليمان لمَّا رأى عِرش بلقيس عنده: {هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ} ، فهو سبحانه يُسْدِي النعمة ليرى منْ قبِلها بقبُولٍ حسن، وشكرها وحفظها، وثمَّرها وانتفع ونفع بها، ومنْ أهلها وعطَّلها، وكفرهاً وصرفها في مُحاربةِ المعطي، واستعان بها في مُحادّةِ الواهبِ جلِّ في عُلاهُ.
فالنِّعمُ ابتلاءٌ من اللهِ وامتحانٌ، يظهرُ بها شُكْرُ الشكُورِ وكُفرُ الكفورِ. كما أنَّ المحنَ منهُ سبحانه، فهو يبتلي بالنعمِ كما يبتلي بالمصائبِ قال تعالى: {فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ {15} وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ {16} كَلَّا....} ، أي ليس كلُّ منْ وسَّعْتُ عليهِ وأكرمتُه ونعَّمتُه، يكونُ ذلك إكراماً مني له، ولا كلُّ منْ ضيَّقتُ عليهِ رزقه وابتليتُه، يكونُ إهانةً مني له.