قام الخطيبُ المِصْقعُ عبدُالحميدِ كشكُ - وهو أعمى - فلمَّا علا المِنْبرَ، أخرج منْ جيبهِ سعفة نخلٍ، مكتوبٌ عليها بنفسِها: اللهُ، بالخطِّ الكوفيِّ الجميلِ، ثم هَتَفَ في الجموعِ:
انظُرْ لتلك الشَّجرهْ ... ذاتِ الغُصُونِ النَّضِرهْ
منِ الذي أنبتها ... وزانها بالخضِرهْ
ذاك هو اللهُ الذي ... قُدرتُه مُقْتدِرهْ
فأجْهش الناسُ بالبكاءِ.
إنهُ فاطرُ السماواتِ والأرضِ مرسومةٌ آياتُه في الكائناتِ، تنطقُ بالوحدانيَّةِ والصَّمديةِ والربوبيَّةِ والألوهيَّةِ {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً} .
منْ دعائمِ السرورِ والارتياحِ، أنْ تشْعُرَ أنَّ هناك ربّاً يرحمُ ويغفرُ ويتوبُ على منْ تاب، فأبشِرْ برحمةِ ربِّك التي وسعتِ السماواتِ والأرض، قال سبحانه: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} ، وما أعظم لطفهُ سبحانه وتعالى، وفي حديثٍ صحيحٍ: أنَّ أعرابيّاً صلًّى مع رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فلمَّا أصبح في التَّشهُّدِ قال: اللهمَّ ارحمني ومحمداً، ولا ترحمْ معنا أحداً. قال - صلى الله عليه وسلم -: ((لقدْ حجرت واسعاً)) . أي: ضيَّقت واسعاً، إنَّ رحمة الهِ وسعتْ كلَّ شيءٍ {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} ، ((اللهُ أرحمُ بعبادِهِ منْ هذهِ بولدِها)) .
أحرق رجلٌ نفسه بالنارِ فراراً منْ عذابِ اللهِ عزَّ وجلَّ، فجمعه سبحانه وتعالى وقال له: ((يا عبْدِي، ما حَمَلَك على ما صنعت؟ قال: يا ربِّ، خِفْتُك، وخشيتُ ذنوبي. فأدخلهُ اللهُ الجنّة)) . حديثٌ صحيحٌ.
{وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى {40} فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} .