إنِّها إرادةُ الإيمانِ، وقوةُ اليقينِ، وسلطانُ التوحيدِ. هذهِ الإرادةُ هي التي أوحتْ إلى سحرةِ فرعون وقدْ آمنوا باللهِ ربِّ العالمين في لحظةِ الصراعِ العالميِّ بين موسى وفرعون، قالوا لفرعون: {قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ} . وهو التحدّي الذي ما سُمع بمثلِهِ، وأصبح عليهمْ أنْ يؤدُّوا هذه الرسالة في هذه اللحظةِ، وأنْ يبلِّغوا الكلمة الصادقة القوية إلى هذا الملحدِ الجبارِ.
لقدْ دخل حبيبُ بنُ زيدٍ إلى مسيلمة يدعوه إلى التوحيدِ، فأخذ مسيلمةُ يقطعُهُ بالسيفِ قطعةً قطعةً، فما أنَّ ولا صاح ولا اهتزَّ حتى لقي ربَّ شهيداً، {وَالشُّهَدَاء عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ} .
ورُفع خُبيبُ بنُ عديٍّ على مشنقةِ الموتِ، فأنشد:
ولستُ أبالي حين أُقتلُ مسلماً ... على أيِّ جنبٍ كان في اللهِ مصرعي
إذا اشتدَّ الظلامُ وزمجر الرَّعْدُ وقصفتِ الريحُ، استيقظتِ الفطرةُ. {جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} . غَيْرَ أنَّ المسلم يدعو ربَّه في الشدَّةِ والرخاءِ، والسراءِ والضراءِ: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ {143} لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} . إنَّ الكثير يسألُ الله وقت حاجتِه وهو متضرِّعٌ إلى ربِّه، فإذا تحقَّق مطلبُه أعرض ونأى بجانبِه، واللهُ عزَّ وجلَّ لا يُلعبُ عليه كما يُلعبُ