لا تحزن (صفحة 254)

قال: فعجبتُ حينما قارنتُ بين هذا وبين أناسٍ يملكونُ ملياراتٍ من الأموالِ والقصورِ والدورِ، وهمْ يعيشون ضنْكاً من المعيشةِ، فعرفتُ أن السعادة ليستْ في المالِ.

عرفتُ خَبَرَ تاجرٍ كبيرٍ، وثريٍّ شهيرٍ عندهُ آلافُ الملايين وعشراتُ القصورِ والدورِ، وكانَ ضيِّق الخُلُقِ، شرس التعاملِ ثائر الطبع، كاسف البالِ، مات في غربةٍ عنْ أهلِه، لأنهُ لم يَرْضَ بما أعطاهُ اللهُ إياه، {ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ {15} كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيداً} .

منْ معالمِ راحةِ البالِ عند العربيِّ القديمِ أنْ يَخْلُو بنفسِه في الصحراءِ، وينفرد عنِ الأحياءِ، يقولُ أحدُهم:

عوى الذئبُ فاستأنستُ بالذئبِ إذْ عوى ... وصوَّت إنسانٌ فكِدْتُ أطِيرُ

وقد خرج أبوٍّ ذر إلى الربذةِ. وقال سفيانُ الثوريَّ: ودِدْتُ أني في شِعْبٍ من الشِّعابِ لا يعرفُني أحدٌ! وفي الحديثِ: ((يُوشِكُ أنْ يكون خَيْرَ مالِ المسلمِ: غَنَمٌ يتبعُ بها مواقع القطرِ وشعف الجبالِ، ويفرُّ بدينِه من الفِتنِ)) .

فإذا حصلتِ الفتنُ كان الأسلمُ للعبدِ الفرار منها، كما فعل ابنُ عُمرَ وأسامةُ بنُ زيدٍ ومحمدُ بنُ مسلمة لما قُتِل عثمانُ.

عَرفْتُ أناساً ما أصابهمُ الفقْرُ والكدرُ وضيِقُ الصَّدْرِ إلا بسببِ بُعْدِهم عنِ اللهِ عزَّ وجلَّ، فتجدُ أحدهم كان غنيّاً ورزقُهُ واسعاً، وهو في عافيةٍ منْ ربِّه، وفي خيرٍ منْ مولاه، فأعرض عنْ طاعِة اللهِ، وتهاون بالصلاةِ، واقترف كبائر الذنوبِ، فسلبَه ربُّه عافية بدنِه، وَسَعَةَ رِزْقِهِ، وابتلاهُ بالفقْرِ والهمِّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015