الطعامُ، ونُغِّص عليه الشَّرابُ بأمراضٍ وأسْقامٍ؟! تفكَّر في سمْعِك وقدْ عُوفيت من الصَّمم، وتأملْ في نظرِك وقدْ سلمت من العمى، وانظر إلى جِلْدِك وقد نجوْت من البرصِ والجُذامِ، والمحْ عقلك وقدْ أنعم عليك بحضورهِ ولم تُفجعْ بالجنونِ والذهولِ.
أتريدُ في بصرِك وحدهُ كجبلِ أُحُدٍ ذهباً؟! أتحبُّ بيع سمعِك وزن ثهلان فضةَّ؟! هل تشتري قصور الزهراءِ بلسانِك فتكون أبكم؟! هلْ تقايضُ بيديك مقابل عقودِ اللؤلؤ والياقوتِ لتكون أقطع؟! إنك في نِعمٍ عميمةٍ وأفضالٍ جسيمةٍ، ولكنك لا تدريْ، تعيشُ مهموماً مغموماً حزيناً كئيباً، وعندك الخبزُ الدافئُ، والماءُ الباردُ، والنومُ الهانئُ، والعافيةُ الوارفةُ، تتفكرُ في المفقودِ ولا تشكرُ الموجود، تنزعجُ من خسارةٍ ماليَّةٍ وعندك مفتاحُ السعادة، وقناطيرُ مقنطرةٌ من الخيرِ والمواهبِ والنعمِ والأشياءِ، فكّرْ واشكرْ {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} فكّرْ في نفسك، وأهلِك، وبيتك، وعملِك، وعافيتِك، وأصدقائِك، والدنيا من حولِك {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا} .
تذكُّرُ الماضي والتفاعلُ معه واستحضارُه، والحزنُ لمآسيه حمقٌ وجنونٌ، وقتلٌ للإرادةِ وتبديدٌ للحياةِ الحاضرةِ. إن ملفَّ الماضي عند العقلاء يُطْوَى ولا يُرْوى، يُغْلَقُ عليه أبداً في زنزانةِ النسيانِ، يُقيَّدُ بحبالٍ قوَّيةٍ في سجنِ الإهمالِ فلا يخرجُ أبداً، ويُوْصَدُ عليه فلا يرى النورَ؛ لأنه مضى