وكما أن القرآن يُعرف المرء بربه فيثمر ذلك معاملة صحيحة فإنه كذلك يُعرِّفه بنفسه فيتعامل معها بما ينبغي أن يكون.
ومن جوانب تلك المعرفة: التعرف على حقيقة الإنسان وأصله: {أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ} [المرسلات/20]، وأنه ضعيف عاجز: {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النساء/28] .. لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} [الأعراف/188].
يحتاج إلى مولاه مع كل طرفة عين ملايين ملايين المرات ..
ومع تعريف القرآن للمرء بهذه الحقائق، فإنه يُعرفه كذلك طبيعة نفسه، وحبها للشهوات، وميلها للفجور، وأنها لو تُركت لما أمرت بخير: {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [يوسف/53] .. كل ذلك ليشتد حذر الإنسان منها، فلا يركن إليها ولا يرضى أو يفرح بها، بل يفرح بفضل ربه ويركن إليه وحده: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس/58].
وخلاصة القول: أن السر الأعظم لمعجزة القرآن يكمن في قدرته على تغيير أي شخص يدخل إلى دائرة تأثيره لتعمل فيه ماكيناته وتعيد تشكيله من جديد وذلك من خلال النقاط التالية:
1 - تغيير أفكاره وتصوراته عن مفردات الحياة، وإرساء قواعد التصور الإسلامي في عقله الباطن لينبني بذلك اليقين الصحيح: {وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ} [الحاقة/51].
2 - بتغير الأفكار والتصورات تتغير الاهتمامات تبعا لذلك، ليصبح هم الفرد وأحلامه وتطلعاته فيما يُرضي الله عز وجل.
3 - نتيجة لتغيير الاهتمامات تتغير طريقة تعامل الشخص مع كل من حوله، فتصغر الدينا في عينه فلا تراه يتنافس مع المتنافسين في أمورها .. يُربي أولاده على حب الله والتعلق به .. يتعامل مع زوجته وأهله من منطلق إيماني يسعى فيه لرضا الله عز وجل.