قبل أن ينتقل الحديث عن الطريقة التي يمكننا من خلالها - بعون الله - الدخول إلى عالم القرآن ودائرة تأثيره ومصنعه، يبقى من الضروري الإجابة عن تساؤل قد يتبادر إلى بعض الأذهان عن الكيفية التي بها يقوم القرآن بالتغيير، وبخاصة وقد خلصنا في صفحات سابقة إلى أن التغيير المنشود لابد أن يشمل العقل والقلب والنفس.
نعم، نحن لسنا طالبين بمعرفة كيفية التغيير القرآني، فيكفي ما أخبرنا به الله عز وجل عن هذا الكتاب، ووصفه له بأنه نور يُخرج الناس من الظلمات على النور، ودواء لما يعانون منه من أدواء: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ} [فصلت/44].
ومع ذلك، فسبب ما ورثناه من تعامل خاطئ مع القرآن وعدم اقتناع البعض بأن الحل في هذا الكتاب، وبسبب عدم وجود أثر ملحوظ للتغيير على الكثير ممن ينشغلون بالقرآن، ويحفظون حروفه، ويكثرون من تلاوته ... كل ذلك وغيره أفقدنا بعض الثقة في قدرة القرآن على التغيير، وانحصر دوره في حياتنا ليصبح مصدرا للأجر والثواب دون النظر للمقصد الأسمى من نزوله.
من هنا كان من الضروري الحديث عن كيفية التغيير القرآني والتي لا يستطيع أن يدرك كنهها أحد من البشر، فالمعجزة القرآنية وتأثرها على الفرد يفوق ما يمكن تخيله، والمحروم من حُرم التمتع بآثارها.
في الصفحات السابقة استعرضنا معا الأسباب التي تحول بيننا وبين أن نكون عبيدا مخلصين لله عز وجل، والتي تنطلق من محاور ثلاثة: العقل، والقلب، والنفس. ومن ثَمَّ فإن التغيير الحقيقي في ذات الإنسان ينبغي أن يشمل هذه المحاور الثلاثة.