تأمل معي ما حدث للصحابة وقد نفد ماؤهم وأرادوا الوضوء والشرب، فذهبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبرونه بذلك، فماذا فعل عليه الصلاة والسلام؟
طلب منهم إحضار ما تبقي عندهم من ماء، ثم وضع فيه أصابعه الشريفة فنبع من بينها الماء ليشرب الجميع ويتوضأ (?).
فهنا كان الماء القليل ستارا وشكلا تنزل من خلاله الفيض الإلهي.
إذن فعلاقتنا بالأسباب علاقة استجداد للمدد الإلهي الذي يتنزل من خلال وجودها، فالنوم سبب يتنزل من خلاله المدد الإلهي بالشعور بالراحة وتجديد النشاط، وشرب الماء سبب يتنزل من خلاله المدد الإلهي بالإرواء ... وهكذا.
فإن كان وجود الأسباب ضروريا لظهور القدرة الإلهية، فإن هذا ليس معناه التعلق بها، وتضخيمها، بل علينا أن نضعها في حجمها المناسب والمحدود، وإلا صارت حجابا يحجب التأييد والنصر الإلهي، وذلك عندما يتعلق به الشخص ويظن أنه يُنصر بها، فتصير شكلا من أشكال الشرك بالله ينافي كمال التوحيد ومقتضاه.
وفي المقابل، فإن من يترك الأسباب وهو قادر على تحصيلها ظنا منه أنه إذا توجه إلى الله عز وجل بطلب ما يريد فإنه سبحانه سيلبي له طلبه دون الحاجة على الأسباب .. هذا الشخص بهذا التصرف قد أساء الأدب مع الله عز وجل، لأنه يريد منه سبحانه أن يخرق له السنن التي أقام عليها الأرض.