وقد علق على هذه القضية سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ (?) في رسالة ((تحكيم القوانين الوضعية)) - وهو المشهود له بغزارة العلم والقوة في الحق - بعد أن أورد قول ابن كثير رحمه الله:

((فانظر كيف سجل سبحانه وتعالى عن الحاكمين بغير ما أنزل الله الكفر والظلم والفسوق، ومن الممتنع أن يسمي الله سبحانه وتعالى الحاكم بغير ما أنزل الله كافرا ولا يكون كافرا، بل هو كافر مطلقاً، إما كفر عمل وإما كفر اعتقاد. وما جاء عن ابن عباس رضي الله عنه في تفسير هذه الآية من رواية طاوس وغيره يدل على أن الحاكم بغير ما أنزل الله كافر، إما كفر اعتقاد ناقل عن ملة الإسلام، وإما كفر عمل لا ينقل عن الملة؛ أما الأول وهو كفر الاعتقاد فهو أنواع:

أحدها: أن يجحد الحاكم بغير ما أنزل الله أحقية حكم الله ورسوله، وهو معنى ما روي عن ابن عباس رضي الله عنه، واختاره ابن جرير، أن ذلك هو جحود ما أنزل الله من الحكم الشرعي، وهذا ما لا نزاع فيه بين أهل العلم، فإن الأصول المقررة المتفق عليها بينهم أن من جحد أصلا من أصول الدين، أو فرعا مجمعا عليه، أو أنكر حرفا مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه كافر الكفر الناقل عن الملة.

الثاني: ألا يجحد الحاكم بغير ما أنزل الله كونه حكم الله ورسوله حقا، ولكن اعتقد أن حكم غير الرسول صلى الله عليه وسلم أحسن من حكمه، وأتم وأشمل لما يحتاجه الناس من الحكم بينهم عند التنازع، إما مطلقا، أو بالنسبة لما استجد من الحوادث التي نشأت عن تطور الزمان وتغير الأحوال، وهذا أيضا لا ريب أنه كفر لتفضيله أحكام المخلوقين التي هي محض زبالة الأذهان وصرف حثالة الأفكار على حكم الحكيم الحميد. وحكم الله ورسوله لا يختلف في ذاته باختلاف الأزمان وتطور الأحوال وتجدد الحوادث. فإنه ما من قضية كائنة ما كانت إلا وحكمها في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، نصا ظاهرا، أو استنباطا، أو غير ذلك، علم ذلك من علمه وجهله من جهله..

الثالث: ألا يعتقد أنه أحسن من حكم الله ورسوله، ولكنه اعتقد أنه مثله، فهذا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015