وكان الناس ينكرون بعثة محمد صلى الله عليه وسلم ورسالته، كما حكى القرآن عنهم: {وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ} (ص: 4) ، كما قالوا: {أَؤُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا} (ص:8) . ونحن - ودع عنك القلة الملحدة التي لا يقام لها وزن - نؤمن ببعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه مرسل من ربه، وأن القرآن كلام الله، أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم، لا هو من كلام البشر، ولا هو من أساطير الأولين.
ولا شك أن هذا كله حقائق.
ولكن تعال ننظر من الجانب الآخر.
جاء الإسلام لينفي كل وساطة بين العبد والرب، ويجعل الصلة مباشرة بين العباد وبين الله: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} (البقرة: 186) .
فماذا فعلت الصوفية في عقائد الناس؟ لقد جسمت الشيخ في حس المريد، حتى أصبح واسطة بين العبد وربه، لا يملك أن يدعو الله باسم من أسمائه الحسنى إلا بإذن الشيخ، الذي يطلع على الأفئدة، ويقرر لكل فؤاد ما يصلح له من الأسماء، والمدة التي يستخدم فيها الاسم الممنوح له، ويظل سلطان الشيخ قائماً في قلوب المريدين، حتى بعد موته بألف عام، فالموت لا يحول بين السلطان الروحي وبين القلوب. والتمسح بالضريح، والدعاء عنده، والاستغاثة والاستعانة والذبح، هي علامات الإخلاص من المريد للشيخ، وهي كذلك وسائط التقرب إلى الله!
هل يختلف هذا كثيراً عن قول الذين كانوا يقولون: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (الزمر: 3) . أليس هذا شركاً واضح الأركان؟
وجاء الإسلام ليلغي كل تشريع من صنع البشر، ليقيم شريعة الله وحدها، وربط ذلك بأصل العقيدة: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (المائدة: 44) . وجعل علامة النفاق الذي ينفي الإيمان، الإعراض عن شريعة الله: {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ