كيف ندعو الناس (صفحة 149)

متفرقون ولو كان كل واحد منهم على طهارة القديسين في خاصة نفسه، وهو فرض لا يتحقق في واقع الأرض ما دام البشر بشراً، تدفعهم دوافع شتى، وتضطرب في نفوسهم شتى الانفعالات والرغبات والشهوات، وما دام الله قد جعل في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها، ما لم يردعهم رادع: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} (الأنعام: 123) .

وحتى لو كان وجود أكابر المجرمين خاصاً بالجاهلية ولا يقع في الإسلام، فإن ((القرية العالمية)) التي يزعم الزاعمون أن العالم قد صار إليها بفعل وسائل الاتصال مملوءة بأكابر المجرمين الذين يكيدون للإسلام ويتربصون بأهله، فهل قيام الأفراد - حتى لو قاموا كلهم - بالصلاة والزكاة والصوم والحج، والخشوع والتقوى في ذوات أنفسهم، يمكن أن يرد كيد أكابر المجرمين، ويرد الفتنة الوافدة على المسلمين من الجاهلية؟ أم يحتاج هذا إلى أمة متماسكة مترابطة قائمة بمسئوليتها الجماعية، عاملة بمقتضى تلك المسئولية، التي يحمل فيها كل فرد نصيبه، والتي لا تتماسك مترابطة قائمة بمسئوليتها الجماعية، عاملة بمقتضى تلك المسئولية، التي يحمل فيها كل فرد نصيبه، والتي لا تتماسك حقاً إذا قال كل فرد فيها: نفسي نفسي، ونكل عن مسئوليته تجاه المجموع.

وهل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يربي أصحابه فرداً فرداً ثم يقيمهم كل في عالمه الخاص، ويقول له: كن في نفسك ولا شأن لك بغيرك؟ أم كان يربي كل فرد منهم ليكون لبنة متماسكة مترابطة مع غيرها من اللبنات في كيان متحد، فيضع في كل لبنة ذلك الملاط الذي يجعلها تلتصق بغيرها، وتكون على استعداد أن يلتصق غيرها بها. ملاط المشاعر المترابطة، والمسئولية المشتركة، وهما صنوان لا يغني أحدهما عن الآخر.

التكافل مفروض على كل قادر ليقوم فيه بنصيبه، ولكن عائده ينصب إيجاباً وسلبا على مجموع الأمة، فتكون أمة مترابطة متحابة إن قامت به، أو طوائف يحقد بعضها على بعض إن نكلت عنه. والجهاد مفروض على كل قادر ليقوم فيه بنصيبه ولكن عائده يعود إيجاباً وسلباً على مجموع الأمة، فتبقى وتتمكن أو يأكلها أعداؤها. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مفروض على كل قادر ليقوم فيه بنصيبه، ولكن عائده يعود إيجاباً وسلباً على مجموع الأمة، فتكون أمة خيرة أو أمة ملعونة: خيرة إن أمرت بالمعروف، ونهت عن المنكر، وملعونة إن نكلت عن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015