كيف ندعو الناس (صفحة 109)

ولغته ووطنه ووضعه الاجتماعي أو السياسي أو الاقتصادي، وهو أمر لا يمكن أن يتم إلا حين تتجرد النفس لله (?) .

وليس قصدنا هنا أن نذكر كل مقتضيات لا إله إلا الله على سبيل الحصر، حتى بالنسبة لفترة التربية بمكة، إنما قصدنا أن نقول: إنها لم تكنن قط، منذ أنزلت من عند الله، مجرد التصديق والإقرار كما يزعم الفكر الإرجائي، وأن مجرد التصديق والإقرار، حتى حين كان علامة على صدق الإيمان في أوائل الدعوة، حين لم يكن يقدم على مخاطره إلا المؤمنون حقاً، لم يكن بذاته يصنع شيئاً مما صنعته لا إله إلا الله في نفوس العصبة المؤمنة التي رباها رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنما صنعت ما صنعت حين آمن معتنقوها بمقتضياتها، وتربوا على مقتضياتها، وعملوا بها في عالم الواقع.

وليس قصدنا كذلك أن نقول: إن التربية على هذه المقتضيات هي العمل الفذ الذي قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنسبة للقاعدة الصلبة خاصة، فهذا أمر مطلوب من كل مرب يتصدى لإنشاء قاعدة للدعوة في أية بقعة في الأرض، وفي أي فترة من الزمن إلى قيام الساعة، إنما العمل الفذ الذي قام به صلى الله عليه وسلم هو الدرجة العجيبة التي أوصل إليها الصحابة رضوان الله عليهم في العمل بمقتضيات لا إله إلا الله، والتي التقى فيها الواقع بالمثال، والتي تحولت فيها المندوبات والمستحبات في نفوسهم إلى واجبات ومفروضات، يلزمون بها أنفسهم بغير إلزام من الله ورسوله، والدرجة العجيبة التي آمنوا بها باليوم الآخر فعاشوه في كل لحظة كأنه حاضر يشهدونه الآن، لا بعد آماد من الزمان، وهذا هو الذي تميز به ذلك الجيل الفريد على يد المربي الأعظم صلى الله عليه وسلم، وليس مجرد الالتزام بمقتضيات لا إله إلا الله، الذي هو مطلوب من كل من تصدى للدعوة للا إله إلا الله.

* * *

طور بواسطة نورين ميديا © 2015