ومظاهر نجاح الواحد منا في الوصول إلى هذا الهدف هو تغيير سلوكه، فعندما يحيا القلب ويزداد منسوب الإيمان فيه فإن هذا من شأنه أن يدفع صاحبه للسلوك الصحيح والعمل الصالح في كل الاتجاهات والأوقات بتلقائية ودون تكلف ... ألم يقل سبحانه: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج:32].
وعندما سأل الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن علامات ومظاهر دخول النور القلب وإحيائه له قال: «التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والاستعداد للموت قبل نزوله» أخرجه الحاكم والبيهقي.
ومن مظاهر التجافي عن دار الغرور: قلة الاهتمام بالدنيا، وعدم التلهف على تحصيلها، وعدم الحزن على فواتها، وترك التنافس من أجلها، وعدم حسد الآخرين عليها.
أما الإنابة إلى دار الخلود فتُظهرها المسارعة إلى فعل الخيرات، وشدة الورع، وتقديم مصلحة الدين على جميع المصالح الدنيوية عند تعارضهما.
ومن مظاهر الاستعداد للموت قبل نزوله: التحلل من المظالم، ورد الحقوق، ودوام الاستغفار والتوبة وكتابة الوصية، و ...
ووسائلنا لتحقيق هدفنا العظيم هي الوسائل المعروفة لدينا، والتي مارسناها من قبل ولكننا سنتعامل معها بطريقة تهتم بكيفية تفعيلها وتحريك القلب معها.
وأعظم وسيلة تقوم بإحياء القلب وزيادة الإيمان فيه هي القرآن: {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [الأنفال:3].
والأمر اللافت للانتباه أن هناك ارتباطًا وثيقًا بين رمضان والقرآن، فرمضان هو الشهر الذي فضله الله عز وجل واختصه بنزول أعظم المعجزات فيه {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة:185]
إن القرآن له تأثير عظيم على القلوب {اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللهِ} [الزمر:23].
معنى ذلك أننا لا نستطيع أن نصل إلى هدفنا بدون القرآن، وأعظم وأهم وقت يستفاد فيه من القرآن هو رمضان، بل قل إن رمضان هو موسم القرآن الخاص؛ لذلك سيكون معنا القرآن- بمشيئة الله- كل يوم .. في تلاوتنا في الصلاة، وفي تلاوتنا خارج الصلاة .. وفي مدارستنا لبعض سوره وآياته، وفي استماعنا في صلاة التراويح والتهجد، ولكن لن يكون همنا كم ختمة سنختمها، بل سيكون همنا كم مرة تأثر القلب واقشعر الجلد وبكت العين ... ، وستلاحظ أخي الحبيب أننا في الصفحات القادمة ومع كل يوم جديد في رمضان سنطرح بإذن الله وسيلة جديدة للاستفادة من القرآن وذلك في أغلب أيام الشهر.
العمل الصالح:
ومع القرآن تأتي الأعمال الصالحة التي تزيد الإيمان وترفعه {وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر:10].
والأعمال الصالحة المتاحة أمامنا في رمضان وغيره كثيرة فهناك الدعاء والذكر والعمرة والاعتكاف وصلة الرحم والإحسان إلى الجار والدعوة إلى الله وقضاء حوائج الناس و ...
وكلما استفاد المرء من إيمانه الذي أنشأه القرآن في قلبه وذلك حين يُتبعه بالعمل الصالح فإن هذا شأنه أن يعود بأثر عظيم على القلب؛ فتزداد حياته ومستوى الإيمان فيه، فالعمل الصالح بمثابة الماء للبذر والزيت للسراج {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ} [فاطر:29].