تعرف على ربك
القرآن- أخي القارئ- هو أفضل وسيلة لغرس محبة الله في القلب، ولقد تم الحديث بشيء من التفصيل حول هذا الموضوع في أكثر من موضع سابق (?)، ولا داعي لتكرار ما قيل، ولكن نُذَكر بأمر هام وهو: أن إنشاء الإيمان في القلب من خلال القرآن لن يتم إلا إذا كان هدفنا حين نقرؤه أن نفهم ما نقرؤه - ولو بصورة إجمالية - وأن نجتهد في التأثر به من خلال الترتيل والتباكي مع القراءة. مع عدم إغفال أمر مهم أيضًا وهو كثرة قراءته، وإعطاؤه الأولوية الأولى في حياتنا.
قال حذيفة بن اليمان: اقرأوا القرآن بحُزن، ولا تجفوا عنه، وتعاهدوه ورتلوه ترتيلا (?).
وبالإضافة إلى ذلك علينا ونحن نعيش في أجواء محبة الله عز وجل، وبعد أن تعرفنا على كثير من مظاهرها أن نتتبع هذه المظاهر ونحن نقرأ القرآن، فإن هذا من شأنه - إذا ما داومنا عليه- أن يؤكد ويرسخ مدلولها في اليقين، ويزيد الإيمان في القلب ويحوله إلى مقام ثابت.
نعم، علينا ألا نقف عند كل آية لنستخرج منها ما يدل على حب الله لعباده حتى لا تتحول القراءة إلى عملية عقلية فكرية فقط، فالمطلوب- كما قيل سالفًا - هو مزج الفكر بالعاطفة، وتجاوب العقل مع القلب، وهذا يستدعى استمرارية وانسيابية القراءة ليتسرب تأثيرها شيئًا فشيئًا إلى المشاعر حتى تصل فى النهاية لمرحلة الانفعال والتأثر.
معنى ذلك أنه من المناسب أن نبحث عن مظاهر المحبة في القرآن بصورة إجمالية، لا تؤثر بالسلب على تدبرنا العام للآيات، ولاتجعلنا نقف عند كل كلمة، ولعل ما قيل في الصفحات السابقة من شأنه أن يستثير مشاعرنا، وينشئ داخلنا حالة شعورية لمحبة الله عز وجل، فإذا ما استثمرنا وجود هذه الحالة، ودخلنا بها إلى القرآن فسنجد ما يؤكدها من آيات، وسنفاجأ وكأن محور القرآن الرئيس يدور حول هذا الموضوع.
* أخي القارئ:
إن القرآن هو أفضل وسيلة لتنمية حب الله في القلب والوصول لمرحلة الأنس به والشوق إليه سبحانه، لذلك أنصح نفسي وإياك أن نكثر من تلاوته بفهم وترتيل وتباك، وأن نتعرف على الله الودود من خلال هذا الكتاب وحبذا لو خصصنا ختمة أو أكثر لهذا البحث العظيم.
يقول ابن رجب: ومما يستجلب المحبة: تلاوة القرآن بالتدبر والتفكر لا سيما الآيات المتضمنة للأسماء والصفات والأفعال الباهرات، ومحبة ذلك يستوجب به العبد محبة الله، ومحبة الله له (?) فتتحقق {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}.
ومما يؤكد هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم: «ألا من اشتاق إلى الله فليستمع كلام الله فإن مثل القرآن كمثل جراب مسك أي وقت فتحه فاح ريحه» (?).
وقوله: «ما من كلام أعظم عند الله من كلامه، وما ردَّ العباد إلى الله كلامًا أحب إليه من كلامه» (?).
فالأمر واضح، والطريق معبد لتنمية حب الله في القلب، وكيف لا والقرآن بين أيدينا ولا يوجد أي شيء يحول بيننا وبينه، فكلما اهتاجت لدينا مشاعر الشوق إلى الله، وأردنا أن نسكنها, وكلما أردنا أن نأنس بالله، ونزداد حبًا له، وتعلقًا به فلنهرع إلى المصحف, نناجيه ونتحدث إليه - سبحانه- من خلال قراءتنا وتجاوبنا مع خطابه لنا, قال صلى الله عليه وسلم: «إذا أحب أحدكم أن يحدث ربه فليقرأ في المصحف» (?).
فإن قلت: ولكن مشاعر الشوق إلى الله لا تهتاج علىَّ كثيرًا!