خطاب عنوانه {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 163].
لو تفكرنا فقط في خطاب الله لعباده - مؤمنهم وكافرهم - لتأكدنا من حبه سبحانه لهم، وحرصه عليهم.
إنه خطاب يطمئن من يسمعه ويدفعه ويستدرجه للفرار في اتجاه قائله .. الفرار إلى الله، لا الفرار منه.
تأمل نداءه سبحانه للعصاة والمجرمين الذي يحادونه، ويجاهرون بارتكاب كل ما يغضبه، ويصرون على ذلك، بل ويستهزئون بالمؤمنين .. بماذا يناديهم: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53].
إنه يناديهم بـ: يا عبادي، بكل ما يحمله هذا النداء من ود، وتلطف، وحنان. ثم انظر إلى ندائه للبشر جميعًا: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ} [فاطر: 5].
وتأمل نداءه للنصارى الذين ادعوا عليه زورًا وبهتانًا أن له ولدًا وزوجة - حاشاه- يناديهم بقوله: يا أهل الكتاب، فيشعرهم بأن هناك صلة قوية بينهم وبينه، وأنهم ليسوا ببعيدين عنه.
ثم تأمل وتأمل نداءه لليهود الذين ارتكبوا من الآثام، ومظاهر العلو والاستكبار ما ارتكبوا .. قتلوا الأنبياء، وعبدوا العجل، وحاربوا المسيح - عليه السلام - وكذبوا بمحمد صلى الله عليه وسلم و ... ومع ذلك يناديهم فيقول لهم «يا بني إسرائيل» .. يا أبناء النبي إسرائيل .. نداء لطيف رقيق من المفترض أن يستثير مشاعرهم، ويستدرجهم لإصغاء سمعهم لما يتضمنه الخطاب الإلهي.
نعم، أخي القارئ، إن خطاب الله عز وجل للبشر جميعًا خطاب مطمئن، يؤكد لهم فيه أن بابه مفتوح للجميع «يا ابن آدم إنك إن دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي».
«يا عبادي إنك تخطئون باليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعًا فاستغفروني أغفر لكم» إنه خطاب عجيب يناشدنا فيه الله عز وجل أن نستغفره ليغفر لنا ... أن نستفيد بالفرصة المتاحة أمامنا قبل أن يحل بنا الأجل.
ففي كل ليلة وبالأخص ثلثها الأخير يوجِّه الله عز وجل نداءه لعباده ويقول لهم: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟! (?).
فماذا تقول بعد ذلك؟!
ماذا تقول لمن يناديك وينادي عباده جميعًا فيقول: «يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم. يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم. يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم» (?).
ماذا تقول لمن يطلب منك دومًا أن تحسن به الظن فهو لن يضيعك، ولن يتركك، فمراده دخولك الجنة. قال صلى الله عليه وسلم «لا يموتن أحد منكم إلا وهو يحسن الظن بالله تعالى» (?).
ومن سمات خطابه سبحانه لعباده أنه يستثير همتهم لفعل الخير، وذلك من خلال قوة طرقه على مشاعر الرغبة، واستجاشته للعاطفة، والتركيز على الجزاء العظيم المترتب على الفعل الذي يريد منهم فعله.
فعلى سبيل المثال: الإنفاق في سبيل الله عمل عظيم يطهر نفس صاحبه من الشح، ويسمو بها إلى السماء، ويخلصها من جواذب الأرض، ومن ثم يصبح من اليسير عليها العمل للآخرة والزهد في الدنيا بمفهومه الصحيح.