نعم، هذه هي الحقيقة التي يغفل عنها البشر «كلكم يدخل الجنة إلا من شرد على الله شراد البعير على أهله» (?).

ومثال ذلك ما حدث لأصحاب القرية التي كذبت الرسل فأصابهم العذاب بعد طول إمهال ليأتي التعقيب القرآني ليؤكد أنهم هم الذين أبوا إلا العذاب {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [يس:30].

أحب العباد إلى الله

وأهم صور الإباء والإصرار على عدم دخول الجنة عدم الاعتراف بالله، ربًا وخالقُا ورازقًا، وإلهًا معبودًا، أو إشراك أحد معه في ذلك.

فالشرك أو الكفر ظلم عظيم يظلم فيه العبد الحقيقة العظيمة، حقيقة التوحيد التي قامت عليها السماوات والأرض، ومن ثَّم يهون على الله هوانًا عظيمًا، فيرتد إلى أسفل السافلين، ومع ذلك يظل الباب مفتوحًا للجميع للتوبة والعودة إليه سبحانه قبل فوات الأوان، بل إنه سبحانه وتعالى جعل أحب خلقه إليه من يُحبب الناس فيه، ويدعوهم للعودة إليه وإلى طاعته كي يدخلهم الجنة.

قال صلى الله عليه وسلم: «إني لأعرف ناسًا ما هم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء بمنزلتهم عند الله سبحانه يوم القيامة، الذين يحبون الله ويحببونه إلى خلقه، يأمرونهم بطاعة الله فإذا أطاعوا الله أحبهم الله» (?).

فالله عز وجل يبغض الشرك والكفر الذي تلبَّس بالمشركين الكفار، ولكنه سبحانه يريد أن يتوب عليهم، ويدخلهم الجنة بينما هم يأبون، لذلك فإنه سبحانه رغَّب عباده المؤمنين بدعوة هؤلاء وتحبيبهم فيه علَّهم يفيقون من غفلتهم، ويعودون إلى ربهم.

تأمل قوله تعالى الذي يتفجر إشفاقًا ورحمة: {قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38]. وتأمل كذلك قوله: {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ} [التوبة: 6].

أشد ما يغضبه:

ومع فرحه سبحانه بتوبة عبد من عباده الضالين، ومع حبه الخاص لمن يحبب الناس فيه، فإنه سبحانه يغضب أشد الغضب لمن يُيئس الناس من بلوغ رحمته ويُنذرهم بانقطاع الأمل، وبأنه لا مآل لهم إلا النار.

وما إمهال الله لعباده المقصرين والمسرفين على أنفسهم، بل والكفار والمشركين - كما أسلفنا- إلا لأنه سبحانه يهيئ لهم من الأمور، ويرسل لهم من الرسائل ما قد يوقظهم من سباتهم، ويذكرهم بربهم.

فإذا ما جاء شخص ما وأشعر هؤلاء بأن الله لن يغفر لهم، وأنهم مغضوب عليهم، ولا أمل أمامهم، فسيؤدي ذلك إلى قنوطهم ويأسهم من رحمة الله، ومن ثمّ زيادة تماديهم في الطغيان، وانحرافهم، وابتعادهم عن طريق الهدى، لتكون نهايتهم النار.

فإن كنت- أخي القارئ- في شك من هذا فاقرأ هذا الحديث:

عن أبى قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله تبارك وتعالى للملائكة: ألا أخبركم عن عبدين من بني إسرائيل أما أحدهما فيرى بنو إسرائيل أنه أفضلهما في الدين والعلم والخلق، والآخر يَرى أنه مسرف، فذُكر عند صاحبه، فقال: لن يغفر الله له، فقال: ألم يعلم بأني أرحم الراحمين؟ ألم يعلم أن رحمتي سبقت غضبي؟ وإني قد أوجبت لهذا الرحمة وأوجبت لهذا العذاب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلا تألوا على الله عز وجل» (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015