ونسى الكاتب أن هذا التأويل يتنافى تمامًا مع مدلول الأحاديث الصحيحة في نزول المسيح , والتي وصفته بضد ذلك: «وَاللهِ، لَيَنْزِلَنَّ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَادِلاً، فَلَيَكْسِرَنَّ الصَّلِيبَ، وَلَيَقْتُلَنَّ الخِنْزِيرَ، وَلَيَضَعَنَّ الجِزْيَةَ» (?). فلا يقبل إلا الإسلام , وهذا مناقض كل المناقضة للتأويل المذكور. على أن هذا التأويل يعطي ظلالاً للمقولة التبشيرية والاستشراقية الظالمة , التي تزعم أن الإسلام هو دين السيف , وأن المسيحية هي وحدها دين السلام!

ابْنُ تَيْمِيَّةَ وَإِنْكَارُ المَجَازِ:

وأنا أعلم أن شيخ الإسلام ابن تيمية أنكر المجاز في القرآن والحديث واللغة بصفة عامة , وأيد ذلك بأدلة واعتبارات شتى.

وأعلم كذلك دوافعه لهذا القول , فهو يريد أن يغلق الباب أمام أولئك الذين غلوا في التأويل فيما يتعلق بصفات الله - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - وهم الذين سماهم (المُعَطِّلَةَ) فقد كادت صفات الله تعالى في نظرهم تصبح مجرد (سلوب) لا إيجاب فيها و (نفي) لا إثبات معه.

وأراد هو أن يحيي ما عليه سلف الأمة , فيثبت لله تعالى ما أثبته لنفسه في كتابه وعلى لسان رسوله , وينفي عنه ما نفى عنه القرآن والسنة.

ولكنه بالغ في ذلك إلى حد نفى المجاز عن اللغة كلها.

والإمام ابن تيمية من أحب علماء الأمة ـ بل لعله أحبهم ـ إلى قلبي , وأقربهم إلى عقلي , ولكني أخالفه هنا كما خالف هو الأئمة من قبله , وكما عَلَّمَنَا هُوَ أَنْ نُفَكِّرَ وَلاَ نُقَلِّدَ , وأن نتبع الدليل , لا الأشخاص , ونعرف الرجال بالحق , لا الحق بالرجال , فَأَنَا أُحِبُّ ابْنَ تَيْمِيَّةَ وَلَكِنْ لَسْتُ تَيْمِيًّا!

طور بواسطة نورين ميديا © 2015