يفهم ـ أن الجنة التي أعدها الله للمتقين , وجعل عرضها كعرض السماء والأرض , تكون حقيقة تحت ظل السيف , وإنما يفهم أن الجهاد في سبيل الله ـ ورمزه السيف ـ أقرب طريق إلى الجنة , ولا سيما إذا كتب الله له فيه الشهادة.

ومثل ذلك قوله لمن أراد أن يبايعه على الجهاد , وقد ترك أمه وراءه في حاجة إلى من يرعاها: «الْزَمْهَا فَإِنَّ الْجَنَّةَ عِنْدَ [رِجْلِهَا]» (?).

فكل من له عقل يفهم أن حقيقة الجنة ليست عند رِجْلِ الأُمِّ , إنما يفهم أن بر الأم ورعايتها من أوسع الأبواب المؤدية إلى جنات النعيم.

وقد حكى عن بعض الصالحين أنه تأخر عن إخوانه يومًا , فسألوه عن ذلك فقال: «كُنْتُ أُمَرِّغُ خَدِّي فِي رِيَاضِ الجَنَّةِ , فَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ الجَنَّةَ تَحْتَ أَقْدَامِ الأُمَّهَاتِ»!

ولم يفهم إخوانه منه إلا أنه كان في خدمة أمه وحياطتها , مبتغيًا بذلك مثوبة الله تعالى وجنته.

وحدثني الأستاذ مصطفى الزرقاء أن أستاذًا كبيرًا من أعلام القانون الوضعي في مصر , بل في العالم العربي , قال له يوما: إنه اشترى كتاب " صحيح البخاري " ثم فتحه مرة فوقع نظره على حديث يقول: «النِّيلُ وَالفُرَاتُ وَسَيْحُونَ وَجَيْحُونَ مِنْ أَنْهَارِ الجَنَّةِ» (*).

ولما كان الأستاذ يرى ذلك مخالفًا للواقع ـ إذ أن منابع هذه الأنهار معروفة لكل دارس , فهي نابعة من الأرض وليست من الجنة , فقد أعرض عن كتاب البخاري كله , ولم يفكر في مجرد تصفحه بعد , نتيجة لهذا الوهم الذي استقر في رأسه.

ولو تواضع هذا الرجل قليلاً , ورجع إلى أحد شراح " البخاري " , أو سأل أحد العلماء المتضلعين من معاصريه , لبان له الحق كالصبح لذي عينين , ولكن الكبر من أعظم الحجب عن رؤية الحقيقة.

وحسبي هنا أن أنقل رأي إمام من أئمة الثقافة الإسلامية في معنى الحديث

طور بواسطة نورين ميديا © 2015