وقد أخرج الحافظ البيهقي في " سننه الكبرى " الأحاديث والآثار القاضية بإباحة العزل , وهي كثيرة , ثم خصص بَابًا لمن كره العزل ومن اختلفت الرواية عنه فيه , وما روي في كراهيته , وذكر فيه حديث جدامة بنت وهب الذي أخرجه مسلم , ثم قال البيهقي:

«وَقَدْ رُوِّينَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي العَزْلِ خِلاَفُ هَذَا وَرُوَاةُ الإِبَاحَةِ أَكْثَرُ وَأَحْفَظُ , وَإِبَاحَةُ مَنْ سَمَّيْنَا مِنَ الصَّحَابَةِ فَهِيَ أَوْلَى وَتَحْتَمِلُ كَرَاهِيَةُ مَنْ كَرِهَهُ مِنْهُمُ التَّنْزِيهَ دُونَ التَّحْرِيمِ , وَاللهُ أَعْلَمُ» (?).

النَّسْخُ فِي الحَدِيثِ:

ومما يتصل بموضوع التعارض بين الأحاديث: قضية النسخ أو الناسخ والمنسوخ في الحديث.

وقضية النسخ لها صلة بعلوم القرآن , كما لها صلة بعلوم الحديث.

فمن المفسرين من أسرف في ادعاء النسخ في القرآن الكريم , حتى زعم بعضهم أن آية واحدة سموها (آيَةَ السَّيْفِ) نسخت من كتاب الله تعالى أكثر من مائة آية , ومع هذا لم يتفقوا على آية السيف ما هي؟!

وفي الحديث يلجأ بعض المتحدثين إلى القول بالنسخ , إذا عَزَّ عليه الجمع بين الحديثين المتعارضين , وعرف المتأخر منهما.

والحقيقة أن دعوى النسخ في الحديث أضيق مساحة من دعوى النسخ في القرآن , مع أن الأمر كان يجب أن يكون بالعكس , إذ الأصل في القرآن أن يكون للعموم والخلود , أما السنة فمنها ما يعالج قضايا جزئية وأحوالاً مؤقته , بحكم إمامته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للأمة , وتدبيره لأمورها اليومية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015