أنه ترك رواية الحديث متعمدًا , فحاشاه من ذلك , ويدل على أنه من كبار المجتهدين في علم الحديث اعتماد مذهبه بينهم , والتعويل عليه , واعتباره رَدًّا وَقَبُولاً , وأما غيره من المحدثين وهم الجمهور , فتوسعوا في الشروط وكثر حديثهم والكل عن اجتهاد , وقد توسع أصحابه من بعده في الشروط وكثرت روايتهم، روى الطحاوي فأكثر وكتب " مسنده " , وهو جليل القدر , إلا أنه لا يعدل " الصحيحين " , لأن الشروط التي اعتمدها البخاري ومسلم في كتابيهما مجمع عليها بين الأمة كما قالوه , وشروط الطحاوي غير متفق عليها كالرواية عن المستور الحال وغيره» (?).

هذا ما قاله العلامة بن خلدون عن أبي حنيفة ومذهبه , وهو كلام مؤرخ خبير منصف.

جَمِيعُ الفُقَهَاءِ يَحْتَكِمُونَ إِلَى السُنَّةِ:

ونستطيع أن نؤكد هنا جازمين: أن جميع فقهاء المسلمين , من مختلف المدارس , وشتى الأمصار , ممن له مذهب باق أو منقرض , متبوع أو غير متبوع كانوا يرون الأخذ بالسنة والاحتكام إليها , والرجوع إلى حكمها إذا تبينت لهم , جزءًا من دين الله , ولا يسعهم الخلاف عن أمرها , يستوي في ذلك المنتمي إلى مدرسة الرأي والمنتمي إلى مدرسة الحديث.

أخرج البيهقي عن عثمان بن عمر قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى مَالِكٍ فَسَأَلَهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَقَالَ لَهُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَذَا وَكَذَا , فَقَالَ الرَّجُلُ: أَرَأَيْتَ؟ فَقَالَ مَالِكٌ: « ... {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63]».

وَأَخْرَجَ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: «لَمْ يَكُنْ مِنْ فِتْيَا النَّاسِ أَنْ يُقَالَ لَهُمْ: لِمَ قُلْتُ هَذَا؟ كَانُوا يَكْتَفُونَ بِالرِّوَايَةِ وَيَرْضَوْنَ بِهَا» (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015