النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من فتنة الفقر (?) , وسؤاله من الله تعالى العفاف والغنى (?) , وقوله لسعد: «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ العَبْدَ الغَنِيَّ، التَّقِيَّ، الخَفِيَّ» (?) وقوله لعمرو بن العاص: «نِعْمَ المَالُ الصَّالِحِ لِلْمَرْءِ الصَّالِحِ» (?).
من أجل ذلك رُدَّ الحديث المذكور , والحق أن المسكنة هنا لا يراد بها الفقر , كيف وقد استعاذ بالله منه وقرنه بالكفر «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الكُفْرِ، وَالفَقْرِ» (?)؟ وفد امتن ربه عليه بالغنى فقال: {وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى} [الضحى: 8].
إنما المراد بها التواضع وخفض الجناح , قال العلامة ابن الأثير: «أَرَادَ بِهِ التَّوَاضُعَ وَالإِخْبَاتَ , أَلاَّ يَكُونَ مِنَ الجَبَّارِينَ المُتَكَبِّرِينَ».
وهكذا عاش - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعيدًا عن حياة المستكبرين ولو في الشكل والصورة , يجلس كما يجلس العبيد والفقراء , ويأكل كما يأكلون. ويأتي الغريبُ فلا يميزه من أصحابه , فهو معهم كواحد منهم. وهو في بيته يخصف نعله بيده , ويرقع ثوبه , ويحلب شاته ويطحن بالرحا مع الجارية والغلام.
ولما دخل عليه رجل هابه فارتعد , فقال له: «هَوِّنْ عَلَيْكَ، فَلَسْتُ بِمَلِكٍ، إِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ، كَانَتْ تَأْكُلُ القَدِيدَ بِمَكَّةَ».
وقرا بعضهم الحديث الذي رواه أبو داود والحاكم وصححه غير واحد عن أبي هريرة مرفوعًا: «إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ [مِائَةِ] سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا» (?).
ففهم من التجديد أنه تطوير الدين وتغييره ليلائم الزمن فقال: الدين لا يجدد , الدين ثابت لا يتغير , وليست مهمة الدين أن يلائم التطور , إنما مهمة التطور أن يلائم الدين.