(والثالث): أن الظن على ضربين: ظن يستند إلى أصل قطعي , وهذه هي الظنون المعمول بها في الشريعة أينما وقعت , لأنها استندت إلى أصل معلوم , فهي من قبيل المعلوم جنسه , وظن لا يستند إلى قطعي , بل إما مستند إلى غير شيء أصلاً وهو مذموم ـ كَمَا تَقَدَّمَ ـ وإما مستند إلى ظن مثله , فذلك الظن إن استند أيضًا إلى قطعي , فكالأول , أو إلى غير شيء , وهو مذموم , فعلى كل تقدير: خبر واحد صح سنده , فلا بد من استناده إلى أصل في الشريعة قطعي فيجب قبوله , ومن هنا قبلناه مطلقًا , كما أن ظنون الكفار غير مستندة إلى شيء , فلا بد من ردها وعدم اعتبارها , وهذا الجواب الأخير مستمد من أصل وقع بسطه في كتاب " الموافقات " والحمد لله.
ولقد بالغ بعض الضالين في رد الأحاديث , ورد قول من اعتمد على ما فيها حتى عدوا القول به مُخَالِفًا لِلْعَقْلِ , والقائل به معدود في المجانين.
«فَحَكَى أَبُو بَكْرِ بْنُ العَرَبِيِّ عَنْ بَعْضِ مَنْ لَقِيَ بِالمَشْرِقِ مِنَ المُنْكِرِينَ لِلرُّؤْيَةِ: أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: هَلْ يَكْفُرُ مَنْ يَقُولُ بِإِثْبَاتِ رُؤْيَةِ البَارِي أَمْ لاَ؟ فَقَالَ: " لاَ! لأَنَّهُ قَالَ بِمَا لاَ يَعْقِلُ، وَمَنْ قَالَ بِمَا لاَ يَعْقِلُ؛ لاَ يَكْفُرُ "!
قَالَ ابْنُ العَرَبِيِّ: " فَهَذِهِ مَنْزِلَتُنَا عِنْدَهُمْ!، فَلِيَعْتَبِرِ المُوَفَّقُ بِمَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ اتِّبَاعُ الهَوَى، أَعَاذَنَا اللهُ مِنْ ذَلِكَ بِفَضْلِهِ» (?). اهـ.
وذكر الإمام ابن قتيبة في كتابه " تأويل مختلف الحديث" كثيرًا من الشبهات الكلية والجزئية , التي أثارها أعداء السنة , وأبطلها شبهة شبهة , ولم يدعهم حتى أحال نارهم رَمَادًا.
وفي عصرنا برز للسنة أعداء جدد , بعضهم من خارج ديارنا , كالمبشرين والمستشرقين , وبعضهم من داخل الدار , ممن تتلمذ عليهم وتأثر بهم مباشرة , أو غير مباشرة.
ولقد استخدم هؤلاء المُحْدَثُونَ أسلحة الخصوم القدماء , وأضافوا إليها أسلحة حديثة , مما أوحت به ثقافة العصر , وأجلب هؤلاء وأولئك بخيلهم ورجلهم على