مَنْهَجٌ مُتَوَازِنٌ:

وهو منهج يتميز كذلك بالتوازن , فهو يوازن بين الروح والجسم , وبين العقل والقلب , وبين الدنيا والآخرة , وبين المثال والواقع , وبين النظر والعمل , وبين الغيب والشهادة , وبين الحرية والمسؤولية , وبين الفردية والجماعية , وبين الاتباع والابتداع ...

فهو منهج وسط لأمة وسط، لا طغيان فيه ولا إخسار، {أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ، وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ} [الرحمن: 8، 9].

ولهذا كان - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا لمح من بعض أصحابه جُنُوحًا إلى الإفراط أو التفريط , ردهم بقوة إلى الوسط , وحذرهم من مغبة الغلو والتقصير.

ولهذا أنكر على الثلاثة الذين سألوا عن عبادته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكأنهم تَقَالُّوهَا , ولم تشبع نهمهم إلى التعبد , وعزم أحدهم أن يصوم الدهر فلا يفطر , والآخر أن يقوم الليل فلا يرقد , والثالث أن يعتزل النساء , فلا يتزوج , وقال حين بلغه قالتهم: «[أَمَا وَاللَّهِ] إِنِّي لأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، [وَأُصَلِّي] وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» (?).

ولما رأى مبالغة عبد الله بن عمر في الصيام والقيام والتلاوة , رده إلى الاعتدال قائلاً: «إِنَّ [لِجَسَدِكَ] عَلَيْكَ حَقًّا (أي في الراحة) وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا (أي في النوم) وَ [إِنَّ لِزَوْجِكَ] عَلَيْكَ حَقًّا (أي في الإمتاع والمؤانسة) , وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا» (?) (أي في الإكرام والمشاركة) يعني فأعط كل ذي حق حقه.

وكان هو - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هو المثل الأعلى في التوازن والاعتدال في حياته كلها، كما دلت على ذلك سنته وسيرته مع ربه، ومع نفسه، ومع أهله، ومع أصحابه، ومع الناس أجمعين (?).

وكان أكثر ما يدعو به الدعاء القرآني: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201].

وكان من دعائه: «اللهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015