والواجب على العالم المسلم هنا أن يسلم بما صح ثبوته حسب قواعد أهل العلم , وسلف الأمة المقتدى بهم , ولا يجوز رده لمجرد مخالفته لما عهدناه , أو استبعاد وقوعه تَبَعًا لما ألفناه , ما دام في دائرة الممكن عقلاً , وإن كنا نعتبره مستحيلاً في العادة , فقد استطاع الإنسان , بما أوتي من علم , أن يصنع أشياء كانت في حكم المستحيل عادة , ولو حكيت لأحد الأقدمين , لرمي من يحكيها بالجنون , فكيف بقدرة الله تعالى , الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء؟
لهذا قرر علماؤنا أن الدين قد يأتي بما يحار فيه العقل , ولكنه لا يمكن أن يأتي بما يحيله العقل. فلا يتناقض صحيح المنقول , وصريح المعقول , بحال من الأحوال.
وما يظن من تناقض بينهما , فلا بد أن غَلَطًا قد وقع , فإما أن يكون النقل غير صحيح أو يكون العقل غير صريح , أعني أن ما ظنه الإنسان دِينًا ليس من حقائق الدين , أو ظنه عِلْمًا أو عقلاً ليس من العلم والعقل.
ولقد غلت بعض المدارس أو الفرق الإسلامية , مثل المعتزلة في رد بعض ما تستبعده عقولهم من صحاح الأحاديث , كما رأينا موقف بعضهم من رد الأحاديث التي تحدثت عن سؤال الملكين في القبر , وما يعقب ذلك من نعيم أو عذاب.
ومثل ذلك موقفهم من أحاديث (الميزان) (?) و (الصراط).
وموقفهم من رؤية المؤمنين لله تعالى في الجنة.
ومن بعض الأحاديث التي تتحدث عن الجن وعلاقتهم ببني الإنسان.
وقد ذكر الإمام الشاطبي في كتابه القيم " الاعتصام " أن من خصال أهل الابتداع والانحراف: ردهم للأحاديث التي جرت غير موافقة لأغراضهم ومذاهبهم , ويدعون أنها مخالفة للمعقول , وغير جارية على مقتضى الدليل , فيجب ردها.
كالمنكرين لعذاب القبر , والصراط والميزان , ورؤية الله - عَزَّ وَجَلَّ - في الآخرة , وكذلك حديث الذباب ومقله , وأن في أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء , وأنه