المسيحيون من حروب وسفك دماء، حتى بين بعضهم وبعض، آخرها الحربان العالميتان اللتان حصدتا عشرات الملايين.
وأنا أعلم أن شيخ الإسلام ابن تيمية أنكر المجاز في القرآن والحديث واللغة بصفة عامة , وأيد ذلك بأدلة واعتبارات شتى.
وأعلم كذلك دوافعه لهذا القول , فهو يريد أن يغلق الباب أمام أولئك الذين غلوا في التأويل فيما يتعلق بصفات الله - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - وهم الذين سماهم (المُعَطِّلَةَ) فقد كادت صفات الله تعالى في نظرهم تصبح مجرد (سلوب) لا إيجاب فيها و (نفي) لا إثبات معه.
وأراد هو أن يحيي ما عليه سلف الأمة , فيثبت لله تعالى ما أثبته لنفسه في كتابه وعلى لسان رسوله , وينفي عنه ما نفى عنه القرآن والسنة.
ولكنه بالغ في ذلك إلى حد نفى المجاز عن اللغة كلها.
والإمام ابن تيمية من أحب علماء الأمة ـ بل لعله أحبهم ـ إلى قلبي , وأقربهم إلى عقلي , ولكني أخالفه هنا كما خالف هو الأئمة من قبله , وكما عَلَّمَنَا هُوَ أَنْ نُفَكِّرَ وَلاَ نُقَلِّدَ , وأن نتبع الدليل , لا الأشخاص , ونعرف الرجال بالحق , لا الحق بالرجال , فَأَنَا أُحِبُّ ابْنَ تَيْمِيَّةَ وَلَكِنْ لَسْتُ تَيْمِيًّا!
وقد قال الحافظ الذهبي: «شَيْخُ الإِسْلاَمِ حَبِيبٌ إِلَيْنَا , وَلَكِنَّ الحَقَّ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْهُ».
نعم أنا مع شيخ الإسلام فيما يتعلق بصفات الله تعالى , وبكل ما يتصل بعالم الغيب , وأحوال الآخرة , فالأولى ألا نخوض في تأويله بغير بَيِّنَةٍ , ونكله إلى عالمه , ولا نتكلف علم ما لا نعلم , ونقول ما قاله الراسخون في العلم: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران: 7].
وهذا ما أريد أن ألقي عليه بعض الضوء في الفقرة التالية.