فإذا وجدت وسيلة أخرى أقدر على تحقيق هدف الحديث , وأبعد عن احتمال الخطأ , والوهم والكذب في دخول الشهر , وأصبحت هذه الوسيلة ميسورة غير معسورة , ولم تعد وسيلة صعبة المنال , ولا فوق طاقة الأمة , بعد أن أصبح فيها علماء وخبراء فلكيون وجيولوجيون وفيزيائيون متخصصون على المستوى العالمي , وبعد أن بلغ العلم البشري مبلغًا مكن الإنسان أن يصعد إلى القمر نفسه , وينزل على سطحه , ويجوس خلال أرضه , ويجلب نماذج من صخوره وأتربته! فلماذا نجمد على الوسيلة ـ وهي ليست مقصودة لذاتها ـ ونغفل الهدف الذي نشده الحديث؟!
لقد أثبت الحديث دخول الشهر بخبر واحد أو اثنين يدعيان رؤية الهلال بالعين المجردة , حيث كانت هي الوسيلة الممكنة والملائمة لمستوى الأمة , فكيف يتصور أن يرفض وسيلة لا يتطرق إليها الخطأ أو الوهم , أو الكذب , وسيلة بلغت درجة اليقين والقطع , يمكن أن تجتمع عليها أمة الإسلام في شرق الأرض وغربها , وتزيل الخلاف الدائم المتفاوت في الصوم والإفطار والأعياد , إلى مدى ثلاثة أيام تكون فرقًا بين بلد وآخر (?) , وهو ما لا يعقل ولا يقبل لا بمنطق العلم , ولا بمنطق الدين , ومن المقطوع به أن أحدها هو الصواب والباقي خطأ بلا جدال.
إن الأخذ بالحساب القطعي اليوم وسيلة لإثبات الشهور , يجب أن يقبل من باب (قياس الأولى) بمعنى أن السنة التي شرعت لنا الأخذ بوسيلة أدنى , لما يحيط بها من الشك والاحتمال ـ وهي الرؤية ـ لا ترفض وسيلة أعلى وأكمل وأوفى بتحقيق المقصود , والخروج بالأمة من الاختلاف الشديد في تحديد بداية صيامها وفطرها وأضحاها , إلى الوحدة المنشودة في شعائرها وعباداتها , المتصلة بأخص أمور دينها, وألصقها بحياتها وكيانها الروحي , وهي وسيلة الحساب القطعي.
على أن العلامة المحدث الكبير الشيخ أحمد محمد شاكر - رَحِمَهُ اللهُ - نحا بهذه القضية منحى آخر , فقد ذهب إلى إثبات دخول الشهر القمري بالحساب الفلكي ,