جَرِير بن عبد الله وذكر أن جماعة لم يذكروا جَرِيرًا أَيْ رَوَوْهُ مُرْسَلاً , وهو الذي اقتصر عليه النسائي , وأخرجه الترمذي مُرْسَلاً , وقال: هذا أصح , ونقل عن البخاري تصحيح المرسل. ولكنه لم يخرجه في " صحيحه " ولا هو على شرطه. والاحتجاج بالمرسل فيه الخلاف المشهور في علم الأصول , ولفظ الحديث: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَرِيَّةً إِلَى خَثْعَمٍ فَاعْتَصَمَ نَاسٌ بِالسُّجُودِ، فَأَسْرَعَ فِيهِمُ القَتْلَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَ لَهُمْ بِنِصْفِ العَقْلِ (أَيْ الدِّيَةِ) وقال: «أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ المُشْرِكِينَ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلِمَ؟ قَالَ: «لاَ تَتَرَاءَى نَارَاهُمَا».
فجعل لهم نصف الدية وهم مسلمون , لأنهم أعانوا على أنفسهم , وأسقطوا نصف حقهم (?) بإقامتهم بين المشركين المحاربين لله ولرسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - , وَشَدَّدَ في مثل هذه الإقامة التي يترتب عليها مثل ذلك من القعود عن نصر الله ورسوله , والله تعالى يقول في أمثال هؤلاء: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلاَيَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} [الأنفال: 72].
فنفي الله تعالى ولاية المسلمين غير المهاجرين إذا كانت الهجرة واجبة (?) , فمعنى قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ المُشْرِكِينَ» أي بريء من دمه إذا قتل , لأنه عَرَّضَ نفسه لذلك بإقامته بين هؤلاء المحاربين لدولة الإسلام.
ومعنى هذا: أنه إذا تغيرت الظروف التي قيل فيها النص , وانتفت العلة الملحوظة من ورائه مِنْ مَصْلَحَةٍ تُجْلَبُ , أَوْ مَفْسَدَةٍ تُدْفَعُ , فالمفهوم أن ينتفي الحكم الذي ثبت من قبل بهذا النص , فالحكم يدور مع علته وُجُودًا وَعَدَمًا.