ومما لا يخفى أن علماءنا , قد ذكروا أن مما يعين على حسن فهم القرآن معرفة أسباب نزوله , حتى لا يقع فيما وقع فيه بعض الغلاة من الخوارج وغيرهم , ممن أخذوا الآيات التي نزلت في المشركين , وطبقوها على المسلمين , ولهذا كان ابن عمر يراهم شرار الخلق , بما حَرَّفُوا كتاب الله عما أنزل فيه (?).

فإذا كانت أسباب نزول القرآن مطلوبة لمن يفهمه أو يفسره , كانت أسباب ورود الحديث أشد طلبًا.

ذلك أن القرآن بطبيعته عام وخالد , وليس من شأنه أن يعرض للجزئيات والتفصيلات , والآنيات , إلا لتؤخذ منها المبادئ والعبر.

وأما السنة فهي تعالج كثيرًا من المشكلات الموضعية والجزئية والآنية , وفيها من الخصوص والتفاصيل ما ليس في القرآن.

فلا بد من التفرقة بين ما هو خاص وما هو عام , وما هو مُؤَقَّتٌ وما هو خالد وما هو جُزْئِيٌّ , وما هو كلي , فلكل منها حكمه , والنظر إلى السياق والملابسات والأسباب تساعد على سداد الفهم , واستقامته لمن وفقه الله.

حَدِيثُ: «أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ»:

مثال ذلك: حديث: «أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ» (?) الذي يتخذ منه بعض الناس تكأة للتهرب من أحكام الشريعة في المجالات الاقتصادية والمدنية والسياسية , ونحوها لأنها ـ كما زعموا ـ مِنْ شُؤُونِ دُنْيَانَا , ونحن أعلم بها وقد وكلها الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلينا!!

فهل هذا ما يعنيه هذا الحديث الشريف؟

كَلاَّ. فإن مما أرسل الله به رسله , أن يضعوا للناس قواعد العدل , وموازين القسط , وضوابط الحقوق والواجبات في دنياهم , حتى لا تضطرب مقاييسهم ,

طور بواسطة نورين ميديا © 2015