وَرَجَّحَ ابْنُ حَزْمٍ العَمَلَ بِحَدِيثِ جُدَامَةَ بِأَنَّ أَحَادِيثَ غَيْرَهَا مُوَافِقَةٌ لأَصْلِ الإِبَاحَةِ وَحَدِيثُهَا يَدُلُّ عَلَى المَنْعِ، قَالَ: فَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ أُبِيحَ بَعْدَ أَنْ مُنِعَ فَعَلَيْهِ البَيَانُ.

وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ حَدِيثَهَا لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي المَنْعِ إذْ لاَ يَلْزَمُ مِنْ تَسْمِيَتِهِ وَأْدًا خَفِيًّا عَلَى طَرِيقِ التَّشْبِيهِ أَنْ يَكُونَ حَرَامًا.

وَجَمَعَ ابْنُ الْقَيِّمِ فَقَالَ: الذِي كَذَّبَ فِيهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - اليَهُودُ هُوَ زَعْمُهُمْ أَنَّ العَزْلَ لاَ يُتَصَوَّرُ مَعَهُ الحَمْلُ أَصْلاً وَجَعَلُوهُ بِمَنْزِلَةِ قَطْعِ النَّسْلِ بِالوَأْدِ فَأَكْذَبَهُمْ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ لاَ يَمْنَعُ الحَمْلَ إذَا شَاءَ اللَّهُ خَلْقَهُ، وَإِذَا لَمْ يُرِدْ خَلْقَهُ لَمْ يَكُنْ وَأْدًا حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا سَمَّاهُ وَأْدًا خَفِيًّا فِي حَدِيثِ جُدَامَةَ لأَنَّ الرَّجُلَ إنَّمَا يَعْزِلُ هَرَبًا مِنْ الحَمْلِ، فَأَجْرَى قَصْدَهُ لِذَلِكَ مَجْرَى الوَأْدِ، لَكِنَّ الفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ الوَأْدَ ظَاهِرٌ بِالمُبَاشَرَةِ اجْتَمَعَ فِيهِ القَصْدُ وَالفِعْلُ، وَالعَزْلُ يَتَعَلَّقُ بِالقَصْدِ فَقَطْ، فَلِذَلِكَ وَصَفَهُ بِكَوْنِهِ خَفِيًّا وَهَذَا الجَمْعُ قَوِيٌّ.

وَقَدْ ضُعِّفَ أَيْضًا حَدِيثُ جُدَامَةَ، أَعْنِي الزِّيَادَةَ التِي فِي آخِرِهِ بِأَنَّهُ تَفَرَّدَ بِهَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ، وَرَوَاهُ مَالِكٌ وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ فَلَمْ يَذْكُرَاهَا، وَبِمُعَارَضَتِهَا لِجَمِيعِ أَحَادِيثِ البَابِ، وَقَدْ حَذَفَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ أَهْلُ السُّنَنِ الأَرْبَعِ (?). اهـ.

وقد أخرج الحافظ البيهقي في " سننه الكبرى " الأحاديث والآثار القاضية بإباحة العزل , وهي كثيرة , ثم خصص بَابًا لمن كره العزل ومن اختلفت الرواية عنه فيه , وما روي في كراهيته , وذكر فيه حديث جدامة بنت وهب الذي أخرجه مسلم , ثم قال البيهقي:

«وَقَدْ رُوِّينَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي العَزْلِ خِلاَفُ هَذَا وَرُوَّاةُ الإِبَاحَةِ أَكْثَرُ وَأَحْفَظُ , وَإِبَاحَةُ مَنْ سَمَّيْنَا مِنَ الصَّحَابَةِ (يعني سعد بن أبي وقاص وزيد بن ثابت، وجابر بن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015