ولهذا رد العلماء المحققون حديث أم سلمة , عند أبي داود والترمذي , الذي يُحَرِّمُ على المرأة رؤية الرجل ولو كان أعمى «أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا؟» بحديث عائشة أم المؤمنين , وحديث فاطمة بنت قيس وكلاهما في الصحيح:
فَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - قَالَتْ: كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ مَيْمُونَةَ فَأَقْبَلَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَدَخَلَ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ بَعْدَ مَا أُمِرْنَا بِالحِجَابِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «احْتَجِبَا مِنْهُ»، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَيْسَ هُوَ أَعْمَى لاَ يُبْصِرُنَا وَلاَ يَعْرِفُنَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا، أَلَسْتُمَا تُبْصِرَانِهِ!؟». رواه أبو داود والترمذي، وقال: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ» (?).
والحديث ـ وإن صححه الترمذي ـ ففي سنده نَبْهَانُ مولى أم سلمة وهو مجهول لم يوثقه غير ابن حبان , ولذا ذكره الذهبي في " المغني " في الضعفاء.
وهذا الحديث معارض بما في " الصحيحين " , مما يدل على جواز نظر المرأة إلى الأجنبي , فعن عائشة - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - قالت: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى الحَبَشَةِ يَلْعَبُونَ فِي المَسْجِدِ» (?).
قال القاضي عياض: «فِيهِ جَوَازُ نَظَرِ النِّسَاءِ إِلَى الرِّجَالِ الأَجَانِبِ , لَكِنَّهُ إِنَّمَا يُكْرَهُ لَهُنَّ النَّظَرُ إِلَى المَحَاسِنِ , وَالاِسْتِلْذَاذِ بِذَلِكَ».
ومن تراجم البخاري على هذا الحديث , (بَابُ نَظَرِ المَرْأَةِ إِلَى الحَبَشِ وَنَحْوِهِمْ مِنْ غَيْرِ رِيبَةٍ) (?).
يؤكد ذلك ما رواه [مسلم] من حديث فاطمة بنت قيس أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لها: عندما طلقت طلاقا باتا: «اعْتَدِّي عِنْدَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى تَضَعِينَ ثِيَابَكِ» وكان أشار عليها أولاً أن تعتد عند أم شريك ثم قال: «تِلْكِ امْرَأَةٌ يَغْشَاهَا أَصْحَابِي، اعْتَدِّي عِنْدَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ ... الخ». فلا يقاوم حديث أم سلمة - بما فيه من ضعف - هذه الأحاديث الصحاح.