قَالَ الأُبِّي: «تأمل ما في كلامه من التنافي , فإن من بلغتهم الدعوة ليسوا بأهل فترة , وتعرف ذلك بما تستمع , فأهل الفترة هم الأمم الكائنة بين أزمنة الرسل الذين لم يرسل إليهم الأول ولا أدركوا الثاني , كالأعراب الذين لم يرسل إليهم عيسى - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - ولا لحقوا النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والفترة بهذا التفسير تشمل ما بين كل رسولين.
ولكن الفقهاء إذا تكلموا في الفترة فإنما يعنون التي بين عيسى - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - والنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وذكر البخاري عن سلمان أنها ستمائة سنة.
ولما دلت القواطع على أنه لا تعذيب حتى تقوم الحجة , علمنا أنهم غير معذبين.
فإن قلت: صحت أحاديث بتعذيب أهل الفترة كهذا الحديث وحديث: «رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ لُحَيٍّ يَجُرُّ قُصْبَهُ (?) فِي النَّارِ» (?).
قلت: أجاب عن ذلك عقيل بن أبي طالب بثلاثة أجوبة:
الأول ـ أنها اخبار آحاد فلا تعارض القطع.
الثاني ـ قصر التعذيب على هؤلاء , والله أعلم بالسبب.
الثالث ـ قصر التعذيب المذكور في هذه الأحاديث على مَنْ بَدَّلَ وَغَيَّرَ من أهل الفترة بما لا يعذر به من الضلال (?). (?). اهـ.
وهنا لا بد أن نحذر من التوسع في دعوى معارضة القرآن , دون أن يكون لذلك أساس صحيح.
فقد ركب المعتزلة متن الشطط , حين اجترأوا على رد الأحاديث الصحيحة المستفيضة في إثبات الشفاعة في الآخرة للرسول - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - ولإخوانه الأنبياء والملائكة وصالحي المؤمنين , في عصاة الموحدين , فيكرمهم الله تعالى