ولو فرضنا منه أقل ما يمكن فرضه وهو قوت يوم من الحنطة مثلا، فلا يحصل إلا بعلاج كثير من الطحن والعجن والطبخ، وكل واحد من هذه الأعمال الثلاثة يحتاج إلى مواعين وآلات لا تتم إلا بصناعات متعددة من حداد ونجار وفاخوري.

هب أنه يأكل حبا من غير علاج؛ فهو أيضا يحتاج في تحصيله حبا إلى أعمال أخرى أكثر من هذه؛ الزراعة والحصاد والدارس الذي يخرج الحب من غلاف السنبل، ويحتاج كل واحد من هذه إلى آلات متعددة وصنائع كثيرة أكثر من الأولى بكثير، ويستحيل أن توفي بذلك كله أو ببعضه قدرة الواحد، فلا بد من اجتماع القُدُر الكثيرة من أبناء جنسه ليحصل القوت له ولهم) (مقدمة ابن خلدون 2 / 272-274) .

وهذا الكلام يدل قطعا على أن توزيع المهمات لإنجاز الأعمال من التعاون المطلوب، وأن هذا التعاون بين الأفراد ينتقل بعمل كلّ منهم ليصبح وظيفة عامة اجتماعية تكفل العيش لعدد كبير من المجتمع، فالتعاون بين الأفراد وتقسيم العمل ظاهرتان ملازمتان للإنسان ولا غنى له عنهما، وأنّ تعاون المجموعة لا يُنتج ما يكفيهم فقط وإنما يزيد ويفيض.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015