كواشف زيوف (صفحة 414)

(4)

دين الإنسانية عند "كونت"

(1) لم يظهر لدى "أوجست كونت" أن الكون يُهَيمِن عليه ربٌّ خالق مُدبِّر خَلَق الإنسان لِيَبْلُوهُ، في رحلةِ الحياة الدنيا، ثمّ ليُحَاسِبَهُ ويُجازيَهُ بالثواب أو بالعقاب إذْ يُعِيده إلى الحياة بعد الموت، في يوم آخر أبديٍّ غير يوم الحياة الدنيا القصير الذي ينتهي بالنسبة إلى الفرد بأجله المرسوم المعلوم للرب الخالق، والمبين للموكلين به من ملائكته، وينتَهي بالنسبَةِ إلى جميع هذه الحياة الدنيا بقيام الساعة ذات الأجل المرسوم المعلوم للرب الخالق فقط، إذ لم يُطلع عليه أحداً من خلقه.

لكنه رأى أن الدين نافعٌ لحياة الإنسانية وتقدُّمها، بما فيه من توحيدٍ للمبدأ والغاية، وبما فيه من استغلالِ العاطفة لخيرِ المجتمع الإنساني، وصيانته من الانحلال والأنانية والفساد.

فرأى أن يخترع ديناً يجعل فيه "الإنسانية" هي الجهة المقصودة بكل الأعمال الدينية التي رأى أنها تجمع بين الفضيلة والتأملات الفكرية والتوجهات النفسية العاطية، لتكون فكرة "الإنسانية" بدل الرب الخالق، الذي زَعَمهُ قِمَّة الحالة الثانية من الحالات التي مرَّ بها العقل البشري في أطواره.

وحين بدا له أن يخترع هذا الدين رأى أن تُوَجَّه العبادةُ بالفكر، والعاطفة والعمل، لمحبَّة الإنسانية وخيرها، وتقدُّمِها الارتقائي.

* * *

(2) وضع "كونت" العقل في المرتبة الأولى من جهة المسؤولية، وجعله مسؤولاً عن اكتشاف قوانين الوجود، والتأثير في العاطفة، لتنجُمَ عنها الأخلاق النافعة للمجتمع الإنساني والمؤسسات الاجتماعية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015