نادمت المنصور بن أبي عامر في منية

السرور الجامعة بين روضة وغديرِ، فلمّا تَضمخَ النّهار بزعفران العشيّ، ورفرف غراب الليل

الدَّجوجي، وأسبل الليل جنحه، وتقلّد السماك رمحه، وهمّ النسر بالطيران، وعام في بحر الأفق زورق

الدَّبَران، أَوْ قَدْنا مصابيح الراحِ واشْتمَلْنا مُلاَء الارْتِياح، وللدَّجْنِ فَوْقَنا رِواقٌ مَضْروب، غنَّتْنا عنْدَ

ذلك جاريةٌ منْ جواريه تُسَمَّى أنس القلوب:

قدمَ الليْلُ عند سيرِ النَّهار ... وبدَ البدْرُ مِثْلَ نصف سِوارِ

فكَأن النَّهار صفْحةُ خَدٍّ ... وكأنَّ الظلام خَطُّ عذارِ

وكَأنَّ الكؤوس جامدُ ماءٍ ... وكأنّ المُدامَ ذائبُ نارِ

نظري قد جنى عليّ ذنوباً ... كيف مما جنته عيني اعتذاري

يَالَقَوْمِي تعجّبوا منْ غزالٍ ... جائر في محبتي وهو جاري

ليت لو كان لي إليه سبيلٌ ... فأقضيَ من حبِّه أوْ طاري

قال: فَلَمّا أكْملت الغناء، أحْسسْت بالمعنى فقلت:

كيف كيف الوصول للأقمار ... بين سُمر القنا وبيض الشفارِ

لو علمنا بأنّ حبك حقٌّ ... لطلبنا الحياة منك بثارِ

وإذا ما الكرام همّوا بشىءٍ ... خاطَروا بالنُّفوسِ في الأخْطار

قال: فعند ذلك بادر المنصور إلى حُسامه، وغلّظَ في كلامه، وقال لها، قولي واصدقي إلى منْ

تُشيرين بهذا الحنين والتشوق. فقالت الجارية: إنْ كان الكذبُ أنْجى فالصدقُ أولى وأحرى. والله ما

كانت إلاّ نظرةٌ ولَدتْ في القلب فكرة فتكلم الحُبُّ على لساني، وبرَّح الوَجْدُ بكتماني، والعَفْوُ مضمونٌ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015