ومع روح الإيجاز الشديد التى سادت كتاب كنز الدرر، ينبغى أن نعترف بأن ابن أيبك استطاع أن يأتى فى كتابه هذا بجديد فعلا. ويبدو هذا الجانب الجديد فى بعض المعلومات والآراء والحقائق التى يشير إليها ابن أيبك إشارات قد تكون موجزة، ولكننا لا نعثر عليها فى مصدر آخر من المصادر التى تعرضت لتاريخ نفس الفترة.

ويبدو السر فى هذه الحقيقة فى أن بعض المصادر التى أخذ عنها ابن أيبك واستقى منها معلوماته قد اندثرت ولم تصل إليها أيدى غيره من المؤرخين الذين عالجوا تاريخ نفس الحقبة الزمنية التى عالجها.

من ذلك ما نجده فى كتابة ابن أيبك من تلميحات طريفة عن أصل التتار وأخبارهم. كذلك نراه يشير فى هذا الجزء إلى أن رسل الصليبيين إلى المسلمين كانوا يدعون أنهم لا يعرفون العربية وهم يعرفونها. وإلى سياسة صلاح الدين فى مصانعة الفرنج-وخاصة أرناط صاحب الكرك-وكيف أنه كان يبذل لهم الأموال فى الدور الأول الذى شغل فيه صلاح الدين بإعادة بناء الجبهة الإسلامية، وتعبئة جهود المسلمين فى مصر والشام استعدادا لمرحلة الجهاد، «وكان يعطى الإفرنج شيئا كثيرا لا يعلم له قيمة، ويصانعهم فيما بينه وبينهم، ويجتهد بكتمان ذلك، لا يسمع عنه أنه يصانع عن نفسه وبلاده». . . إلى غير ذلك من الإشارات السريعة الخاطفة التى لا نجد لكثير منها أثرا فى بقية المصادر المعاصرة، والتى تلقى أضواء لها أهميتها على روح العصر.

هذا فضلا عن أن ابن أيبك نفسه-بالإضافة إلى أبيه وجده-شاركوا فى كثير من أحداث الفترة التى عاشوها-كما سبق أن أشرنا-مما جعله فى كتابته عن هذه الفترة بالذات يحيط بما لم يحط به غيره علما. ومع هذا فقد تحلى ابن أيبك فى كتابته

طور بواسطة نورين ميديا © 2015