من أمثلة ذلك: ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه: (أنه رأى رجلاً يخذف)، أي: أنه يضع حجراً بين الإصبع الوسطى وبين الإبهام ويرمي، أو يكون ذلك بالمقلاع، وهي أداة مشهورة معروفة - فنهاه عبد الله بن مغفل رضي الله عنه عن هذا الفعل، وقال له: (لا تخذف، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف)، فأوصل له المعلومة، ثم ذكر له الحكمة من النهي في الحديث: (إنه لا يصاد به صيد)، أي: أن معظم الطيور لن تقع بالنبلة هذه، (ولا ينكى به عدو)، أي: أن تعلمه لن يفيدك في تعلم الرماية، ولن ينفع في الجهاد، وفوق هذا أيضاً يمكن أن يضر، لذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (ولكنها تكسر السن، وتفقأ العين)، فلا يوجد أي مصلحة في استعمال هذا الخذف، وأيضاً فهذا الطير الذي خذف بالحجارة لو سقط ميتاً لا يجوز أكله في الشرع؛ لأنه موقوذة، وأكل الوقيذ محرم كما في سورة المائدة: {وَالْمَوْقُوذَةُ} [المائدة:3]؛ ولأنه مات بقوة الرمي ولم يمت بحدها، إلا إذا لحقه وذبحه قبل أن يموت، وعليه فلا توجد أي مصالح في ذلك وأيضاً هو ممنوع من أكثر من وجه.
والشاهد: أن عبد الله بن مغفل رأى الرجل مرة أخرى يخذف، بعد أن نبهه كل هذا التنبيه، فقال له عبد الله بن مغفل: (أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الخذف وأنت تخذف، لا أكلمك كذا وكذا).
وفي رواية لـ مسلم قال: (لا أكلمك أبداً).
ففي بداية الأمر نصحه، لكن لما رآه يعمل شيئاً في نظره كبيرة جداً قرر أن يقاطعه، ولذلك أجاز العلماء مقاطعة الذي يخالف السنة عمداً، حتى وإن كانت المقاطعة أكثر من ثلاثة أيام؛ وهذا بعد النصح والإرشاد له.
والشيء العظيم أيضاً في الصحابة أنهم كانوا يتبعون الرسول الله صلى الله عليه وسلم دون أن يسألوا عن الحكم، أي: لو لم يروا الحكمة من الفعل فإنهم يقلدون الرسول صلى الله عليه وسلم ويتبعونه.