السبب الثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد صرح بأن هذا الجيل هو خير الأجيال على الإطلاق، فقد روى البخاري ومسلم عن عمران بن حصين رضي الله عنه وأرضاه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) فهذه شهادة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقضي الأمر بذلك، قال عمران: فلا أدري أقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد قرنه مرتين أو ثلاثاً؟ يعني: هل قال: ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم مرتين أو ثلاث؟ لكن المهم أن خير الأجيال وخير الناس هو قرن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو جيل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروى البخاري ومسلم أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا أصحابي، لا تسبوا أصحابي، قالها مرتين، ثم قال: فوالذي نفسي بيده لو أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه)، وتخيل لو أنك تملك ذهباًَ كجبل أحد، ثم أنفقته كله في سبيل الله، فإن ذلك لا يساوي ما أنفقه الصحابي، وإن كان ما أنفقه كمقدار المد، أي: مد الكفين، وتخيل واحداً من الصحابة ينفق ملء الكفين فقط يساوي قدر جبل أحد من الإنفاق، لأن لهم أجر السبق في الإسلام، فهم الذين علمونا الإنفاق، وهم الذين علمونا الجهاد في سبيل الله، وكيف يمكن أن نقهر النفس ونصرف الأموال في سبيل الله عز وجل، وهذا يعطيهم الأجر العظيم والدرجة التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتصريح أنهم خير الناس وخير القرون وخير الأجيال.
من كل ما سبق يتضح لنا أننا نتعامل في هذه المجموعة مع أرقى جيل في الوجود، مع الجيل الذي يصلح تماماً أن يتخذ قدوة كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه: من كان مستناً فليستن بمن قد مات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة.
يعني: نحن نرى أناساً كثيرين وعظماء يعيشون بيننا، لكن الله أعلم بمن سيثبت منهم على الحق، ومن فيهم الذي سيغير ويبدل، لكن الذي قد مات علمنا أنه قد مات على الحق وبالذات جيل الصحابة، ثم قال عبد الله بن مسعود: أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، كانوا أفضل هذه الأمة.
ولا أحد يقول: إن هذا يزكي أو يُعظِّم نفسه، لا، فهو يذكر حقيقة لا بد أن يعلمها كل المسلمين، وإذا علموها استفادوا منها استفادة جمة؛ لذلك وجب عليه أن يذكر بهذا الأمر، وكتمان هذه الحقيقة كتمان لعلم مهم جداً، ألا وهو علم تقدير الصحابة وتعظيم الصحابة وتكريم هذا الجيل بأكمله؛ لأنهم جيل القدوة، ثم يقول عبد الله بن مسعود: أبرها قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً، اختارهم الله لصحبة نبيه، وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم في آثارهم، وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم وسيرهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم.
لذلك في هذه المجموعة سنجعل هدفنا إن شاء الله أن نتعلم كيف نكون مثل الصحابة؟ كيف أننا نريد أن نتعلم مثلهم؟ كيف أننا نكون مسلمين حق الإسلام؟ كيف نؤمن بالله عز وجل حق الإيمان؟ كيف نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم حق الحب؟ كيف نفهم هذا الدين حق الفهم؟ دراسة حياة الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم هي دراسة الإسلام، والسير في طريق الصحابة هو السير في طريق الجنة.
نسأل الله عز وجل أن يلحقنا بهم في أعلى عليين، في صحبة نبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم: {فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [غافر:44].
وجزاكم الله خيراً كثيراً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.