وعلى الناحية الأخرى لو لم نقم بالدعوة، ماذا ستكون النتيجة؟ ليس مجرد أنه لا يوجد حسنات فقط بل ستكون النتيجة صعبة جداً، فسيُترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا أمر في منتهى المشقة على العبد وعلى الأمة؛ ويدل على ذلك: الحديث الذي رواه الترمذي رحمه الله وقال: حسن.
عن حذيفة رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده!)، وعندما يقسم الرسول صلى الله عليه وسلم فهو يقصد شيئاً مهماً جداً؛ مع أننا نصدقه، لكن هو يريد أن يعمق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فينا، فيقسم على أهمية هذا الأمر فيقول: (والذي نفسي بيده! لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عذاباً منه)، وفي رواية: (عقاباً منه)، إما هكذا وإما هكذا، إما أن تدعوا إلى الله عز وجل، وتأمروا بالمعروف وتنهوا عن المنكر، وإما أن يبعث الله عز وجل عليكم عذاباً منه، وبعد ذلك: (ثم تدعونه فلا يستجيب لكم)، عندما تجد ربنا سبحانه وتعالى يؤخر إجابة دعوتك مرة ومرتين وعشرة ولديك أزمات كثيرة لم تحل، وأنت رافع يديك إلى الله سبحانه وتعالى، يمكن أن تكون هذه هي المشكلة المعيقة للإجابة، يمكن أن تكون هذه هي المشكلة الكبيرة التي هي عند كثير منا أنهم يعبدون ربنا سبحانه وتعالى، لكن ليس لهم شأن بالناس، فجاره يكون بعيداً عن الله وليس له شأن به، وزميله في العمل بعيد عن ربنا وليس له شأن به، حتى أحياناً أن زوجته وأولاده وأمه وأباه وإخوانه بعيدون عن ربنا عز وجل، ومع ذلك ليس له شأن بهم! فهل أنت عايش لنفسك فقط؟! إن هذه ليست حياة وما استحق أن يولد من عاش لنفسه فقط، فالصحابة كانوا يعيشون لأهل الأرض أجمعين، وليس فقط لأنفسهم وأولادهم وزوجاتهم وإخوانهم وقبيلتهم وعشيرتهم.
روى الإمام أحمد وابن ماجه وابن حبان وحسنه الألباني عن عائشة رضي الله عنها قالت: (دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرفت في وجهه أن قد حفزه شيء) يعني: همه وأحزنه شيء، (فتوضأ ثم خرج فلم يكلم أحداً، فدنوت من الحجرات فسمعته يقول:) أي: بدأ يخاطب الناس في المسجد بخطبة شديدة قال فيها: (يا أيها الناس! إن الله عز وجل يقول: مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر)، وبعد ذلك يهدد تهديداً في منتهى الخطورة.
فيقول: (من قبل أن تدعوني فلا أجيبكم، وتسألوني فلا أعطيكم، وتستنصروني فلا أنصركم).
أليس من الممكن أن إهمال المسلمين لقضية الدعوة هو السبب في حالة الانهيار الكبير الذي وصلت إليه الأمة اليوم؟ والذي نراه أمام أعيننا من أزمات طاحنة في الأمة الإسلامية في كل مكان، وتأخير النصر عنا، ونحن ندعو ربنا سبحانه وتعالى، ويجوز أن يكون عندنا مشاكل أخرى هي التي تؤخر النصر، فقد تكون في مرحلة الإعداد، -يجوز أن يكون هناك تقصير- أو في عملية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا من الممكن أن يؤخر قيام أمة، بل ويستأصل أمة بكاملها، لأنها لا تأمر بالمعروف ولا تنهى عن المنكر، وهذه كانت أول مشكلة وقعت في بني إسرائيل، حيث أن المؤمنين لم يقوموا بواجبهم على الوجه الأكمل، فكانت الهلكة لبني إسرائيل جمعياً، وتعالوا لنرى وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمر بني إسرائيل وكيف سقطوا؟ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل)، أي: أول مشكلة ظهرت في بني إسرائيل، وكان بعدها الهلكة واللعنة لهم، (كان الرجل يلقى الرجل فيقول: يا هذا اتق الله ودع ما تصنع، فإنه لا يحل لك)، أي: يأتي الرجل المؤمن فيرى رجلاً يقوم بمعصية ما، فيقول له: يا أخي اتق الله فإن هذا لا يحل لك أن تفعله، فيجده مرة يسرق، ومرة يزني، ومرة يقتل، ومرة يعمل كذا أو كذا من الموبقات والمعاصي، وينهاه عن هذا الفعل ويقول له: لا تعمل هذا، فإنه لا يحل لك في دينك، (ثم يلقاه من الغد) أي: يأتي اليوم الثاني ويمشي المؤمن من جوار العاصي، (فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده) يعني: يأتي في اليوم الثاني ويلقاه على نفس المعصية والجرم الذي كان يقوم به، والذي نهاه عنه الرجل المؤمن قبل ذلك، ثم بعد ذلك تجد الرجل المؤمن الذي كان داعية إلى الله عز وجل لا يمتنع عن أن يأكل معه ويشرب معه ويقعد معه، وكأن شيئاً لم يكن، وليس هناك ثمة مشكلة، فهو نهاه مرة عن المنكر وأمره بالمعروف، ثم بعد ذلك نسي، وعاشت هذه الأمة -بني إسرائيل- بهذه الطريقة، فماذا حصل عندما تركت الأمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم بب