معك، وعرفت الكبير من أموري بالصغير من الكلام، واقتصرت به معك على الإيجاز. ورأيت من إسعافك إياي بحاجتي ما دلني على كرمك وحسن وفائك: فإن الكلام إذا ألقي إلى الفيلسوف، والسر إذا استودع إلى اللبيب الحافظ، فقد حصن وبلغ به نهاية أمل صاحبه، كما يحصن الشيء النفيس في القلاع الحصينة. قال له الهندي: لا شيء أفضل من المودة. ومن خلصت مودته كان أهلاً أن يخلطه الرجل بنفسه، ولا يدخر عنه شيئاً، ولا يكتمه سراً: فإن حفظ السر رأس الأدب. فإذا كان السر عند الأمين الكتوم فقد احترز من التضييع؛ مع أنه خليق ألا يتكلم به؛ ولا يتم سرٌ ين اثنين قد علماه وتفاوضاه. فإذا تكلم بالسر اثنان فلا بد من ثالث من جهة أحدهما؛ فإذا صار إلى الثلاثة فقد شاع وذاع، حتى لا يستطيع صاحبه أن يجحده ويكابر عنه؛ كالغيم إذا كان متقطعاً في السماء فقال قائل: هذا غيمٌ متقطعٌ، لا يقدر أحدٌ على تكذيبه. وأنا قد يداخلني من مودتك وخلطتك سرورٌ