كليله ودمنه (صفحة 239)

يسعى إذ بصر به في الشرك، فسرّ واستبشر، ثم التفت فرأى خلفه ابن عرس، يريد أخذه، وفي الشجرة بوماً، يريد اختطافه، فتحيّر في أمره، وخاف إن رجع وراءه أخذه ابن عرس، وإن ذهب يميناً أو شمالاً اختطفه البوم، وإن تقدم أمامه افترسه السنور. فقال في نفسه: هذا بلاء قد اكتفني، وشرور تظاهرت عليّ، ومحنٌ قد أحاطت بي. وبعد ذلك فمعي عقلي، فلا يفزعني أمري، ولا يهولني شأني، ولا يلحقني الدهش، ولا يذهب قلبي شعاعاً: فالعاقل لا يفرق عند سداد رأيه ولا يعزب عنه ذهنه على حال. وإنما العقل شبيهٌ بالبحر الذي لا يدرك غوره ولا يبلغ البلاء من ذي الرأي مجهوده فيهلكه، وتحقق الرجاء لا ينبغي أن يبلغ منه مبلغاً يبطره ويسكره: فيعمى عليه أمره ولست أرى لي من هذا البلاء مخلصاً إلا مصالحة السنّور: فإنه قد نزل به من البلاء مثل ما قد نزل بي أو بعضه ولعل إن سمع كلامي الذي أكلّمه به،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015