لقد تخلفنا عن الأمم المعاصرة فى العلوم الطبيعية والأسباب الحربية وفى الأخذ بأسباب الرقى المادى بعدة قرون، وقد كانت المسابقة بيننا وبينهم كمسابقة الأرنب والسلحفاة إلا أن الأرنب كان ساهراً مع خفته وسرعته والسلحفاة نائمة رغم بطئها وثقلها، ولو جارينا هذه الأمم اليوم لاستغرق ذلك قروناً ثم كانت المقارنة بحساب دقيق، فإذا فاق العدو وسبقنا بشعرة فى القوة المادية والعدد الحربية رجحت كفته لأن المادة عمياء وهى من القساوة والحياد التام بمكان لا تفرق فيه بين المحق والمبطل والشريف والوضيع.
ولكن الدعوة والرسالة- وهى الروح التى تقهر المادة وتسخر الأسباب وتستنزل النصر - تأتى بخوارق ومعجزات وطالما قهرت القاهر وفتحت الفاتح، وطالما خضعت الحكومات القاهرة ودانت الملوك الجبابرة بقوة الدعوة والرسالة للمماليك والصعاليك وقد جربت ذلك هذه الأمة مرتين بوضاحة فى التاريخ.
مرة لما خرج العرب من جزيرتهم إلى البلاد الرومية والفارسية فى ثياب صفيقة مرقعة وفى نعال وضيعة مخصوفة يحملون سيوفاً بالية الأجفان رثة المحامل على خيل قصيرة متقطعة الغرز وسرعان ما قهرت دعوتهم