قلت: قوله: وإقرار غير المالك لا يثبت به الملك ممنوع، بل إقرار المالك لا يثبت الملك، دليله: ما لو شهدت البينة: أنه ملكه إلى حين إقراره له بالملك، لم تسمع، ولو قال: ملكي لفلان، لم يسمع، ولا يصح إقراره كما تقدم ذكره، بل الذي يصحح الإقرار كونه في يد المقر، بحيث لو ادعى الملك لنفسه لقبل لا كونه مالكًا، ولعله مراده.
وقد حكى الإمام عن المحققين وجهًا آخر أن النسب لا يثبت لأنه لو ثبت، لاقتضي الإرث، ولو ورث لحجب المقر، وإذا حجبه، خرج عن أهلية الإقرار، فيبطل، وإذا بطل الإقرار، بطل النسب.
فرع: لو ادعى مجهول النسب على أخي الميت: أنه ابن الميت، ونكل الأخ عن اليمين، فحلف المدعي، ثبت النسب، ثم إن جعلنا اليمين المردودة مع النكول كالبينة، ورث، وحجب الأخ، وهو المختار في ((المرشد)). وإن جعلناها كالإقرار، ففيه ما تقدم، قاله في ((المهذب))، و ((الحاوي))، غيرهما.
ثم إذا ورثناه عند جعلنا ذلك كالبينة، فمات المجهول، هل يرثه المنكر؟ يشبه أن يقال: الحكم فيه كما لو أقام مجهول البينة على ثبوته، هل يرثه المنكر؟ وقد قال الماوردي: إنه إن أصر بعد موته على الإنكار، لم يرثه، وإن رجع عنه ورث.
قال: وإن لم يحجبهم- أي: كما إذا أقر الأبناء بابن آخر، أو الإخوة بأخ آخر، أو الأعمام بعم آخر، ونحو ذلك- ثبت النسب، والأصل فيه مع ما تقدم: ما روي عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: اختصم عبد بن زمعة وسعد بن أبي وقاص إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في ابن وليدة زمعة، فقال عبد: هو أخي ولد على فراش أبي، وقال سعد: هو ابن أخي عبد، عهد إلى أنه ألم بها في الجاهلية، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((هو لك يا عبد)) وفي رواية: ((الولد للفراش، وللعاهر الحجر))، فحكم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بإقرار عبد زمعة بالنسب.
فإن قيل: سودة زوجة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أخت عبد، [و] لم ينقل أنها اعترف به.
فالجواب: أن زمعة كان كافرًا، وكذا عبد، وسودة أسلمت في حياته، فكان عبد قد حاز الميراث كله من أبيه، فكان الاعتبار بإقراره وحده.