وقال الإمام بعد ذكر القولين في الخمر والضمان: وكنت أود لو فصل فاصل بين أن يكون المقر جاهلًا بأن ثمن الخمر لا يلزم، وأن الضمان مع شرط الخيار لا يلزم، وبين أن يكون عالمًا بذلك، فكان يعذر الجاهل دون العالم، ولكن لم يصر إليه أحد من الأصحاب.

واعلم أنه كثيرًا ما يطلب الفرق بين ما حكاه الشيخ هنا من القولين في قوله: له علي ألف [قضيتها]، وبين ما حكاه من الجزم فيما إذا قال: برئت إليه مما يدعيه، أو: قضيته أنه لا يقبل قوله في البراءة والقضاء إلا ببينة كما هو الصحيح، وإن كنا قد حكينا عن البندنيجي وابن الصباغ ثم: أنه علي القولين أيضًا.

ويظهر أن يقال- والله أعلم: إن قوله: برئت إليه، أو: قضيته لفظ واحد تضمن الإقرار والبراءة، والشيء الواحد لا يستعمل في الشيء وضده لغة وعرفًا وشرعًا، فأبطلناه فيما له، وصححناه فيما عليه.

وقوله: له علي ألف قضيتها لفظان، اقتضى أحدهما الشغل، وهو قوله: [له] علي ألف، والآخر البراءة، وهو قوله: قضيتها، وذلك منتظم لفظًا، واقع استعماله فيما نحن فيه عرفًا وإن امتنع شرعًا وعقلًا، فلا جرم خرج على القولين، والله أعلم.

فرع: إذا ادعى عليه مائة درهم، فقال: قضيتك منها خمسين- حكى القاضي أبو الطيب وغيره في أواخر باب الدعوى على كتاب أبي حنيفة: أن الشافعي نص في الأم على أن يكون مقرًا بالخمسين، مدعيًا لقضائها، فأقبل منه الاعتراف دون القضاء.

قال القاضي وغيره: وهذا ينبني على أن من ادعى عليه ألف، فقال: صدقت، ولكني قضيتك إياها، فقد اعترف بالألف وادعى القضاء، وفيه قولان، فإن قبلنا قول المقر في القضاء، لم يلزمه هنا قضاء الخمسين، وإلا لزمه.

وأما الخمسون الأخرى، فإنه ما أقر بها، لأن قوله: منها يحتمل عوده إلى الدعوى، والله أعلم.

قال: وإن قال: له [علي] ألف من ثمن مبيع لم يلزمه حتى يقر بقبض

طور بواسطة نورين ميديا © 2015