ولو جعله عجز كلامه، فقال: له علي كذا، من جهة تحمل العقل مؤجلًا إلى وقت كذا، ففيه- تفريعًا على طريقة القولين في المسالة السابقة- طريقان:
إحداهما- وهي التي أوردها في ((الوجيز))، والقاضي الحسين، ونسبها الإمام إلى المحققين- القطع بالقبول.
والثانية: طرد القولين.
قال ((الرافعي)): وهي الأظهر، لأن أول كلامه ملزم لو اقتصرت عليه، وهو في الإسناد إلى تلك الجهة مدع، كما في التأجيل.
فرع: لو شهد عليه شاهدان بألف، فقال: له علي ألف، لكنه مؤجل- حكى ((الرافعي)) في أوائل كتاب الدعاوى عن القفال: أنه تسقط الشهادة، وهو قضية ما حكاه عن القاضي أبي الطيب في أول هذا الباب.
ثم قال القفال: وهذا شخص قد أقر لغيره بدين مؤجل، ففي قبوله في الأجل الخلاف.
وقد قال البندنيجي في كتاب الدعاوى، والقاضي أبو الطيب في أواخر باب الدعوى على كتاب أبي حنيفة: أنه لا يقبل قوله في الأجل قولًا واحدًا، كما لو قامت عليه بينة بعشرة دراهم، فقال: إلا درهم.
قلت: وعلى قضية ما قاله القفال يظهر أن يجيء في المسالة ما حكيته عند الكلام فيما إذا شهد عليه بحد لله تعالى، فأقر به، ثم رجع عنه.
قال: وإن قال: [له] علي ألف من ثمن خمر، أو: ألف قضيتها- ففيه قولان: أحدهما: يلزمه، لأنه وصل بإقراره ما يرفعه، فأشبه ما لو قال: له علي ألف إلا ألفًا، وهذا ما صححه العراقيون، وغيرهم في الأولى، وهو في الثانية من طريق الأولى.
وعلى هذا: للمقر تحليف المقر له على نفي كونه ثمن خمر، وعلى عدم القضاء.
والثاني: لا يلزمه، لأن الكلام إنما يتم بآخره، لا يفصل آخره عن أوله، ولا أوله عن آخره، [كما لو قال: لا إله إلا الله، لا يفصل أول الكلام عن آخره] حتى يكون كفرًا ثم إيمانًا، وقد وصل بالكلمة الأولى ما هو محتمل وجائز عرفًا،