أحدهما: أن أحكام الملك باقية على الوقف في ضمانه باليد، وغرامته بالقيمة، وزائلة عن المعتق، لأنه لا يضمن باليد، ولا يغرم بالقيمة.
والثاني: أن المقصود بالوقف تمليك المنفعة التي هي مال، والمقصود بالعتق كمال أحكامه في ميراثه، وشهادته، وولايته.
وفي ((حلية)) الشاشي في كتاب الوقف طريقة أخرى، وهي إن قلنا: إن الوقف ينتقل إلى الله تعالى، لم يقبل إلا شاهدان، وإن قلنا: إنه ينتقل للموقوف عليه، فوجهان.
ولا خلاف أنه لو ادعى ورثة ميت على رجل أنه غصب هذه الدار، وكانت لأبينا وقفها علينا، أو على فلان منا، وأقاموا شاهدًا، وحلفوا معه-: أنه يثبت الغصب بذلك، وكذا الوقف إن قلنا: إنه يثبت بالشاهد واليمين، [وإن قلنا: لا يثبت بالشاهد واليمين]، كان ثبوته في هذه الصورة بالإقرار.
وقد فرع الشافعي على القول بثبوت الوقف بالشاهد واليمين فروعًا، وذلك مما يدل على أنه رآه الصحيح، لأن الأصحاب قالوا ذلك:
فمنها: إذا ادعى شخص أن أبي وقف داره هذه علي وعلى أخوي [دون غيرنا] من ورثته، فإذا انقرضنا فعلى أولادنا ما بقوا، ثم على الفقراء، وصدقه أخواه، وكذبهم بقية الورثة، فأقاموا شاهدًا واحدًا بذلك. هكذا صور المسألة ابن سريج، وأبو إسحاق، والقاضي أبو حامد، وقالوا: إن كلام الشافعي محمول عليها، قال الأصحاب: وهو الصحيح، ولهم [بعد ذلك] ثلاث أحوال:
إحداها: أن يحلفوا معه، فيثبت لهم مدة حياتهم، فإذا انقرضوا في حالة وحدة، انتقل إلى أولادهم، لكن بيمين من جهتهم، أم يكفيهم يمين آبائهم؟ فيه وجهان في الطريقين، وبناهما القفال وطوائف من الأصحاب على أن الوقف ينتقل إلى البطن الثاني من الواقف كما انتقل للبطن الأول منه، أو ينتقل إليهم من البطن الأول؟ وفيه خلاف مشهور.
فعلى الأول: يحتاجون إلى الحلف، كما احتاج إليه البطن الأول، وهو الذي [قال به] ابن سريج، كما حكاه الماوردي وغيره.